للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{فَأَمْسِكُوهُنَّ}؛ أي: فأنتم بالخيار، فإن شئتم فراجعوهن. والرجعة تحصل بالقول، وكذا (١) عند أبي حنيفة بالوطىء واللمس والنظر إلى الفرج بشهوة فيهما؛ أي: راجعوهن {بِمَعْرُوفٍ}؛ أي: بحُسن معاشرة وإنفاق لائق، ورغبة فيهن من غير قصد إلى مضارة لهن. وفي الحديث: "أكمل المؤمنين: أحسنهن خلقًا وألطفهن بأهله". {أَوْ فَارِقُوهُنَّ}؛ أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن فيملكن نفوسهن {بِمَعْرُوفٍ}؛ أي: مع إيفاء مالهن عليكم من الحقوق وترك المضارة لهن؛ أي: فارقوهن بإيفاء حقوقهن واتقاء ضرارهن بأن يراجعها ثم يطلقها تطويلًا للعدة. {وَأَشْهِدُوا} أيها الأزواج؛ أي: على الرجعة وعلى الطلاق قطعًا للتنازع، إذ قد تنكر المرأة بعد انقضاء العدة رجعته فيها، وربما يموت أحدهما بعد الفرقة، ويدعي الباقي منهما ثبوت الزوجية لأخذ الميراث. {ذَوَيْ عَدْلٍ}؛ أي: صاحبي عدالة. تثنية ذا بمعنى صاحب، منصوب بالياء؛ أي: أشهدوا اثنين صاحبي عدالة {مِنْكُمْ}؛ أي: من المسلمين، كما قاله الحسن، أو من أحراركم كما قاله قتادة، يكونان عادلين لا ظالمين ولا فاسقين؛ أي (٢): وأشهدوا عادلين منكم على الرجعة، وقيل: على الطلاق، وقيل: عليهما، قطعًا للتنازع وحسمًا لمادة الخصومة. والأمر للندب، كما في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ}. وقيل: إنه للوجوب، وإليه ذهب الشافعي، قال: الإشهاد واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل. وفي قول للشافعي: إن الرجعة لا تفتقر إلى الإشهاد كسائر الحقوق. وروي نحو هذا عن أبي حنيفة وأحمد. والعدالة: هي الاجتناب عن الكبائر كلها، وعدم الإصرار على الصغائر، وغلبة الحسنات على السيئات، والآثام من غير إصرار لا يقدح في العدالة؛ إذ لا يوجد من البشر من هو معصوم سوى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كذا في "الفروع".

ومعنى الآية (٣): فإذا قاربت العدة على الانتهاء، فإن شئتم .. فأمسكوهن وراجعوهن، مع الإحسان في الصحبة، وحسن العشرة، وأداء الحقوق من النفقة والكسوة، وإن صممتم على المفارقة .. فلتكن بالمعروف، وعلى وجه لا عنف فيه ولا مشاكسة، مع إيفاء ما لهن من حقوق لديكم؛ كمؤخر صداق وإعطاء متعة حسنة


(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.