أي: يتركون زوجات حرائر حائلات سواء كانت مدخولًا بها أو غيرها، وسواء كانت من ذوات الأقراء أو آيسة أو صغيرة، ولو كانت زوجة صبي، لعموم الآية الكريمة لهن. {يَتَرَبَّصْنَ}؛ أي: ينتظرون ويتصبرن عن النكاح بعد وفاتهم {بِأَنْفُسِهِنَّ}؛ أي: أنفسهن، فالباء زائدة ومدخولها توكيد للنون، أو سببية؛ أي: بسبب أنفسهن لا بسبب ضرب قاضٍ كما تقدم نظيره {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} من الليالي أن يمكثن أربعة أشهر وعشرة أيام من وفاة أزواجهن، إحدادًا على أزواجهن وعدة لوفاتهم، وهذه العدة سببها الوفاة عند الأكثرين، لا العلم بالوفاة كما قال به بعضهم، فلو انقضت المدة أو أكثرها، ثم بلغ المرأة خبر وفاة زوجها .. وجب أن تعتد بما انقضى، والدليل على ذلك: أن الصغيرة التي لا علم لها يكفي في انقضاء عدتها انقضاء هذه المدة.
أما الحوامل: فعدتهن بوفع الأحمال بآية سورة الطلاق، والأمة على النصف من ذلك بالسنة، وإنما قال:{عَشْرًا} بلفظ التأنيث؛ لأن العرب إذا أبهمت في العدد من الليالي والأيام غلّبوا الليالي حتى إن أحدهم ليقول: صمت عشرًا من الشهر؛ لكثرة تغليبهم الليالي على الأيام، فإذا أظهروا الأيام .. قالوا: صمنا عشرة أيام.
والحكمة في جعل عدة الوفاة هذا المقدار: أن الجنين الذكر يتحرك في الغالب لثلاثة أشهر، والأنثى لأربعة، فزاد الله سبحانه على ذلك عشرًا؛ لأن الجنين ربما يضعف عن الحركة، فتتأخر حركته قليلًا، ولا تتأخر عن هذا الأجل.
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}؛ أي: انقضت عدتهن {فَلَا جُنَاحَ}؛ أي: لا حرج ولا إثم {عليكم} يا أولياء الميت، أو أيها الأئمة والحكام، أو أيها المسلمون {فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ}؛ أي: في تركهن على ما فعلن في أنفسهن من التزين والتطيب، والنقلة من المسكن، والتعرض للخطاب، وغير ذلك مما حرم عليهن في زمن العدة؛ لأجل وجوب الإحداد عليهن حال كونهن ملتبسات {بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: بما يحسن عقلًا وشرعًا، ومفهومه أنهن لو خرجن عن المعروف شرعًا بأن تبرجن،