السجود لزوال القدرة الحقيقية عليه عنهم. وفيه دلالة على أنهم يقصدون السجود فلا يتأتى منهم ذلك. قال ابن مسعود رضي الله عنه: تعقم أصلابهم؛ أي: ترد عظامًا بلا مفاصل لا تنثني عند الرفع والخفض، فيبقون قيامًا على حالهم حتى تزداد حسرتهم وندامتهم على تفريطهم في الدنيا.
قال الواحدي: قال المفسرون: يسجد الخلق كلهم لله سجدة واحدةً، ويبقى الكفار والمنافقون يريدون أن يسجدوا فلا يستطيعون، لأن أصلابهم تيبس فلا تلين للسجود. قال الربيع بن أنس: يكشف عن الغطاء فيقع من كان آمن بالله في الدنيا فيسجدون له، ويدعى الآخرون إلى السجود فلا يستطيعون، لأنهم لم يكونوا آمنوا بالله في الدنيا.
فصل في الاختلاف في معنى الساق
وهذا التفسير الذي ذكرناه في بيان معنى الساق وإيضاح معنى الآية هو المذهب الأسلم الذي عليه السلف، ونلقى عليه الرب سبحانه. فساق الله صفة ثابتة له نثبتها، ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. ومعنى كشف الساق رفع الحجاب بينه وبين عابده. وقد دلت على هذا المعنى أحاديث مرفوعة صحيحة.
وقد أخرج البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا"، وهذا الحديث ثابت من طرق كثيرة في "الصحيحين" وغيرهما، وله ألفاظ في بعضها طول، وهو حديث مشهور معروف.
وأخرج ابن منده عن أبي هريرة رضي الله عنه في الآية قال:"يكشف الله عز وجل عن ساقه". وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن منده عن ابن مسعود في الآية قال: يكشف عن ساقه تبارك وتعالى. وأخرج أبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في "الأسماء والصفات"، وضعفه وابن عساكر عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"عن نور عظيم فيخرون له سجدًا".
وقيل: معنى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} يوم يشتد الأمر، ويصعب الخطب. وكشف الساق مثل في ذلك، ولا كشف ولا ساق ثمة كما تقول للأقطع الشحيح: يده