والثالث: أنه جمع نصب كرهن في رهن وسقف في سقف، وجمع الجمع: أنصاب. وأما الثالثة ففعل بمعنى مفعول؛ أي: منصوب كالقبض بمعنى المقبوض، والرابعة تخفيف من الثانية. {يُوفِضُونَ} من الإيفاض، وهو الإسراع.
البلاغة
وقد تضمّنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: جناس الاشتقاق في قوله: {سَأَلَ سَائِلٌ} وقوله: {تَعْرُجُ} و {ذِي الْمَعَارِجِ}.
ومنها: إيراد صيغة تدل على الماضي في قوله: {وَاقِعٍ} دون سيوقع، للدلالة على تحقق وقوعه إمّا في الدنيا كما في يوم بدر، وإمّا في الآخرة وهو عذاب النار.
ومنها: فن التمثيل والتشبيه في قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)}، فهذا من التمثيل، فليس المراد حقيقة ذلك العدد، بل المراد الإشارة إلى أنه يبدو للكافر طويلًا لما يلقاه خلاله من الهول والشدائد، فلا تنافي مع آية السجدة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ}. والعرب تصف أيام الشدة بالطول، وأيام الفرح بالقصر. قال الشاعر:
أو من باب التشبيه البليغ، والأصل كمقدار مدة خمسين ألف سنة.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (٥)}.
ومنها: ذكر الخاص بعد العام في قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ}، فالروح هو جبريل، أفرده بالذكر إظهارًا لشرفه وفضله.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (٨)} لحذف وجه الشبه، ووجه الشبه فيه التلون، وكذلك قوله: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (٩)}، ووجه الشبه في هذا التطاير والتناثر. وقد رمق أبو العلاء هذه السماء العالية من البلاغة، إذ قال في رثاء أبيه: