في كل مكان ما اقتضاه وما شاكل معناه. والظاهر: أنه عليه السلام أراد بالكافرين والظالمين الذين كانوا موجودين في زمانه متمكّنين في الأرض ما بين المشرق والمغرب، فمسؤوله أن يهلكهم الله، فاسْتُجيب دعاؤه، فعمّهم الطوفان بالغرق. وما نقل عن بعض المنجمين من أنه أراد جزيرة العرب، فوقع الطوفان عليهم دون غيرهم من الآفاق مخالف لظاهر الكلام وتفسير العلماء، وقول أصحاب التواريخ بأن الناس بعد الطوفان توالدوا وتناسلوا وانتشروا في الأطراف مغاربها ومشارقها من أهل السفينة.
ودل الكلام هنا على أنّ الظالم إذا ظهر ظلمه وأصر عليه ولم ينفعه النصح استحق أن يُدعى عليه وعلى أعوانه وأنصاره. قيل: غرق معهم صبيانهم أيضًا، لكن لا على وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آبائهم وأمّهاتهم بإراءة إهلاك أطفالهم الذين كانوا أعزَّ عليهم من أنفسهم. قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "يهلكون مهلكًا واحدًا، ويصدرون مصادر شتّى".
ومعنى الآية: أي ربّ استر عليّ ذنوبي وعلى والديّ وعلى من دخل مسجدي ومصلّاي مصدقًا بنبوّتي، وبما فرضته عليّ وعلى المصدّقين بوحدانيتك والمصدّقات بذلك من كلّ أمة إلى يوم القيامة، ولا تزد الذين ظلموا أنفسهم بك إلَّا خسرانًا وبعدًا من رحمتك.
{إِنَّا} ناصب واسمه، وجملة {أَرْسَلْنَا} خبره، وجملة {إنّ} مستأنفة. {نُوحًا} مفعول به {إِلَى قَوْمِهِ} متعلق بـ {أَرْسَلْنَا}، {أَنّ} حرف نصب ومصدر، {أَنْذِرْ} فعل أمر في محل النصب بـ {أَنْ} المصدرية مبنيّ على السكون، وفاعله ضمير مستتر يعود إلى نوح، {قَوْمَكَ} مفعول به، وجملة {أن} المصدرية مع صلتها في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض، تقديره: إنّا أرسلنا نوحًا إلى قومه بإنذار قومه. والجار والمجرور متعلق بـ {أَرْسَلْنَا}، ويجوز أن تكون أن مفسّىرة كما مرّ؛ لأنّ الإرسال في معنى القول؛ أي: قلنا له: أنذر قومك. {مِنْ قَبْلِ} جار ومجرور