للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

توسعة لدائرة الكلام إلا في قوله: {أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ} فتكون فيه على بابها، وفي سائر المواضع بمعنى {إن} المكسورة فتكون مقولا لقوله: {فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا}. ومن قرأ بالكسر عطف على المحكي بعد القول، وهو الأظهر لوضوح اندراج الكلّ تحت القول. وقيل: في الفتح والكسر غير ذلك، والأقرب ما قلناه.

والمعنى: وأنّ الشأن ارتفع عظمة ربّنا كما تقول في الثناء على الله: وتعالى جدّك؛ أي: ارتفع عظمتك. وفي إسناد التعالي إلى العظمة مبالغة لا تخفى من قولهم: جدّ فلان في عيني؛ أي: عظم تمكّنه أو سلطانه؛ لأن الملك والسلطنة غاية العظمة. أو غناه على أنه مستعار من الجد الذي هو البخت والدولة والحظوظ الدنيوية سواء استعمل بمعنى الملك والسلطان أو بمعنى الغنى، فإن الجد في اللغة كما يكون بمعنى العظمة، وبمعنى أب الأب وأبي الأم يكون بمعنى الحظ والبخت، يقال: رجل مجدود؛ أي: محظوظ. شبه سلطان الله وغناه الذاتيان الأزليان ببخت الملوك والأغنياء، فأطلق اسم الجد عليه استعارة.

وقرأ الحرميّان (١): نافع وابن كثير، والأبوان: أبو عمرو وأبو بكر بفتح الهمزة من قوله: {وَأَنَّهُ تَعَالَى} وما بعده، وهي اثنتا عشرة آية، آخرها {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ}. وباقي السبعة بالكسر، فأما الكسر فواضح؛ لأنها معطوفات على قوله: {إِنَّا سَمِعْنَا}، فهي داخلة في معموم القول. وأما الفتح فقال أبو حاتم: هو معطوف على مرفوع {أُوحِيَ}، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله انتهى. وهذا لا يصح؛ لأن من المعطوفات ما لا يصح دخوله تحت {أُوحِيَ}، وهو كل ما كان فيه ضمير المتكلم كقوله: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ}، ألا ترى أنه لا يلائم {أُوحِيَ إِلَيَّ} {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ}، وكذلك باقيها. وقال الزمخشري: ومن فتح كلهن فعطفًا على محل الجار والمجرور في {آمَنَّا بِهِ}، كأنه قيل: صدقناه وصدّقنا بأنه تعالى جد ربنا، وبأنه كان يقول سفيهنا، وكذلك البواقي انتهى. ولم يتفطن لما تفطن له الفراء من أن بعضها لا يحسن أن يعمل فيه {آمَنَّا}.

وتلخيص ما في هذا المقام (٢): أن {إنّ} المشددة في هذه السورة على قسمين:


(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.