للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يبق منهم إلا امرأة حبلى، فحبسوها في بيت، فولدت غلامًا، فلما كبر كفله شيخ من علمائهم في بيت المقدس، فلما بلغ الغلام أتاه جبريل، فقال له: اذهب إلى قومك، فبلغهم رسالة ربك، فإن الله قد بعثك فيهم نبيًّا، فلما أتاهم كذبوه، وقالوا استعجلت بالنبوة، فإن كنت صادقًا .. فبين لنا ملك الجيش.

وكان صلاح أمر بني إسرائيل بالإجماع على الملوك وبطاعة الملوك أنبياءهم، فكان الملك هو الذي يسير بالجموع، والنبي هو الذي يقيم أمره ويشير عليه برشده، ويأتيه بالخبر من ربه فـ {قال} لهم ذلك النبي {هَلْ عَسَيْتُمْ} بفتح السين وكسرها لغتان، وبالثانية قرأ نافع، وبالأولى قرأ الباقون، وهذا الكلام استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال لهم النبي حينئذ؟ فقيل: قال لهم النبي: هل عسيتم وحسبتم وظننتم {إِنْ كُتِبَ} وفرض {عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا}؛ أي: قال لهم نبيهم: هل ظننتم أن لا تقاتلوا عدوكم إن فرض عليكم القتال مع ذلك الملك؟ فصل بين عسى وخبره بالشرط والاستفهام؛ لتقرير المتوقع به، وإثباته، والمعنى: أتوقع وأخشى جبنكم عن القتال إن كتب عليكم القتال {قَالُوا وَمَا لَنَا}؛ أي: وأي شيء ثبت لنا في {أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وطاعته {وَقَدْ أُخْرِجْنَا} وأبعدنا {مِنْ دِيَارِنَا} وأوطاننا {وَأَبْنَائِنَا} وأولادنا، وأفرد الأولاد بالذكر؛ لأنهم الذين وقع عليهم السبي، أو لأنهم بمكان فوق مكان سائر القرابة، ولأجل (١) قولهم هذا لم يتم قصدهم؛ لأنه لم يخلص لحق الله عزمهم، ولو أنهم قالوا: وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله؛ لأنه قد أمرنا وأوجب علينا، لعلهم وفقوا لإتمام ما قصدوا، والمعنى: وأي شيء ثبت لنا في ترك القتال في سبيل الله، والحال أنه قد أخرج وأبعد بعضنا من المنازل والأولاد، والقائلون لنبيهم بما ذكر كانوا في ديارهم، فسأل الله تعالى ذلك النبي، فبعث لهم ملكًا يقاتلون معه، وكتب عليهم القتال مع ذلك الملك {فَلَمَّا كُتِبَ} وأوجب {عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ} في سبيل الله {تَوَلَّوْا}؛ أي: أعرضوا عن قتال عدوهم لما شاهدوا كثرة العدو وشوكته {إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} ثلاث مئة وثلاثة عشر على عدد أهل بدر، وهم الذين عبروا النهر


(١) البحر المحيط.