للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تفاوت منازلهم عند الله عزّ وجلّ. وقال بعضُ المفسرين: أي رَفَع بعضَ الأنبياء والمرسلين على بعضهم الآخر في الدرجات والمنازل كإبراهيم؛ لأنه تعالى اتخذه خليلًا، ولم يُؤْتِ أحدًا مِثْلَه هذه الفضيلةَ، وإدريسَ فإنه تعالى رَفَعَهُ مكانًا عليًّا، وداودَ فإنه تعالى جَمَعَ له المُلْكَ والنُّبوةَ، ولم يَحْصُل هذا لغيره، وسليمانَ فإنه تعالى سخَّر له الإنسَ والجنَّ والطيرَ والرِّيْحَ، ولم يكنْ هذا حاصلًا لأبيه داود، ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنه تعالى خَصَّه بعُموم رسالته، وبأنَّ شرعه ناسخ لجميع الشرائع، ولكن هذا تفسيرٌ بالرَّأْيِ لا بالنَّقْلِ، والأَوْلَى تَرْكهُ مُبْهمًا كما أَبْهمَه سبحانه وتعالى، كما ذَكَره الشوكانيُّ.

{وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ}؛ أي: أعطيناه الآياتِ الباهرة، والمعجزاتِ الظاهرة الدالة على صدقه ونبوَّته، كإحياءِ الموتى، وإبراءِ الأكمه، والأبرص، والإخبار بالمغيبات. {وَأَيَّدْنَاهُ}؛ أي: قوَّيْنَاه. {بِرُوحِ الْقُدُسِ}، أي: بالروحِ المقدَّس، وأعَنَّاهُ بجبريل عليه السلام في أولِ أمره، وفي وَسطِه، وفي آخره؛ وهو نَفْخُ جبريل الروحَ في عِيْسى، وتعليمهُ العلومَ، وحفظُه من الأعداء، وإعانتُه ورفعُه إلى السماء حين أرادت اليهود قتله، فكان يسيرُ معه حيثُ سار.

فإن قلتَ (١): لِمَ خُصَّ موسى وعيسى بالذِّكر من بين سائر الأنبياء؟ قلتُ: لَمَّا أوتيا من الآياتِ العظيمة، والمعجزاتِ الباهرة .. خُصَّا بالذكر في باب التفضيل. فعلى هذا: كل مَنْ كان من الأنبياء أعظمَ آياتٍ، وأكثرَ معجزاتِ .. كانَ أفضلَ؛ ولهذا أَحْرزَ نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - قَصَباتِ السبق في الفَضْل؛ لأنه أعظم الأنبياءِ آياتٍ، وأكثرهم معجزاتٍ، فهو أفضلُهم - صلى الله عليه وسلم - وعليهم أجمعين.

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} عَدَمَ (٢) اقْتِتالِهم، أو هُدى (٣) الناس جميعًا؛ أي: ولو أرادَ


(١) الخازن.
(٢) الشوكاني.
(٣) البيضاوي.