للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابُه النور - وفي رواية: النار - لو كشفه .. لأحرقتْ سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".

{لَهُ} سبحانه وتعالى، لا لغيره جميعُ {مَا فِي السَّمَاوَاتِ} السبع من الملائكة {و} جميع {ما في الأرض} من الخلق مَلِكًا ومُلْكًا. ذكر ما فيهما دونهما للردِّ على المشركين العابدين لبعض الكواكب التي في السماء، والأصنام التي في الأرض؛ أي: فلا تصلح أن تكون معبودة؛ لأنها مملوكةٌ لله، مخلوقةٌ له.

{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ}؛ أي؛ لا يشفع عنده أحدٌ من أهل السموات والأرض يومَ القيامة. {إِلَّا بِإِذْنِهِ}، أي: إلا بأمره وإرادته تعالى، وهذا ردٌّ على المشركين؛ حيث زعموا أن الأصنام تشفع لهم، فإنه تعالى لا يأذن لأحدٍ في الشفاعة إلا للمطيعين، وهو ما استثناه بقوله: {إِلَّا بِإِذْنِهِ} يريد بذلك: شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وشفاعة بعض الأنبياء والملائكة، وشفاعة المؤمنين بعضهم بعضًا.

وفي هذا (١) الاستفهام من الإنكار على مَنْ يزعم: أنَّ أحدًا من عباده يَقْدِر على أن ينفع أحدًا منهم بشفاعة أو غيرها، ومن التقريع والتوبيخ له ما لا مزيد عليه، وفيه من الدَّفْع في صدور عُبَّادِ القبور، والصَّد في وجوهم، والفَتِّ في أَعْضَادِهِم ما لا يرتاد قدرهُ، ولا يبلغْ مَدَاه. {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} الضميران لـ {{مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}، بتغليب العقلاء على غيرهم؛ أي: يعلم {مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ}؛ أي: ما هو حاضرٌ مشاهَدٌ لهم، وهو: الدنيا وما فيها. {وَمَا خَلْفَهُمْ}؛ أي: قُدَّامهم، وهو: الآخرة وما فيها. وقيل: بعكسه؛ لأنهم يُقْدِمون على الآخرة، ويُخَلِّفون الدنيا وراء ظهورهم. وقيل: يعلم ما كان قبلهم، وما كان بعدهم. وقيل: يعلم ما قَدَّموه بين أَيديهم من خيرٍ أو شرٍّ، وما خَلْفَهم مما هم فاعلوه. والمقصود من هذا: أنه سبحانه وتعالى عالمٌ بجميع المعلومات، لا يخفى عليه شيءٌ من أحوال جميع خلقه، وكَنَّى بهاتين الجهتين عن سائر


(١) فتح القدير.