الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)}، وقد ذهب إلى هذا كثيرٌ من المفسرين.
القول الثاني: أنها ليست بمنسوخةٍ، وإنما نزلت في أهل الكتاب خاصةً، وأنهم لا يُكْرَهُون على الإِسلام إذا أَدَّوا الجِزْية، بل الذين يكرهون هم: أهلُ الأوثان، فلا يُقبل منهم إلا الإِسلام، أو السيف، وإلى هذا ذهب الشعبي والحسن وقتادة والضحاكُ.
القول الثالث: أن هذه الآية في الأنصار خاصةً، كما سبق لك بيان ما ورد في ذلك.
القول الرابع: أن معناها لِمَن أسلمَ تحت السيف؛ أنَّه مكرهٌ، فلا إكراه في الدين، إلى غير ذلك من الأقوال.
والذي ينبغي اعتماده، ويتعيَّن الوقوف عنده: أنها في السَّبَبِ الذي نَزَلتْ لأجله، مُحْكَمةٌ غيرُ منسوخةٍ؛ وهو أن المرأة من الأنصار كانت مقلاةً، لا يكاد يعيش لها ولدٌ إلى آخر ما سبق {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ}؛ أي: بالشيطان، أو الأصنام، أو بكلِّ ما عُبد من دون الله {وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ}؛ أي: ويُصدِّق بالله أنه ربه، ومعبودُه من دون كلِّ شيءٍ كان يعبده، وفيه: إشارةٌ إلى أنه لا بد للكافر أن يتوب أولًا عن الكفر، ويستبرأ منه، ثُمَّ يؤمنَ بعد ذلك بالله، فمَنْ فعل ذلك .. صحَّ إيمانه، وناسب ذلك أيضًا اتصاله بلفظ الغيِّ، ولم يَكْتَفِ بالجملة الأُوْلَى؛ لأنها لا تستلزم الجملة الثانية؛ إذ قد يَرْفُض عبادتَها، ولا يؤمن بالله، لكنَّ الإيمان يستلزم الكفر بالطاغوت. {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ}؛ أي: تَمَسَّكَ {بِالْعُرْوَةِ}؛ أي: بالعقدة {الْوُثْقَى}؛ أي: المحكمة {لَا انْفِصَامَ لَهَا}؛ أي: لا انقطاع لتلك العروة حتى تُوصله إلى الجنة؛ أي: فقد أخذ بالحبل الوثيق، الشديد المحكم المأمون، الذي لا انقطاع له؛ أي: فقد أَخَذ بالثقة بـ {لا إله إلا الله} التي لا انقطاع لصاحبها عن نعيم الجنة، ولا زوال عن الجنة، ولا هلاكَ بالبقاء في النار. وهذا تمثيلٌ للمعلوم بالنظر والاستدلال بالشاهد المحسوس حتى يَتَصَوَّره السامع كأنَّه ينظرُ إليه بعينه، فيُحْكِمُ اعتقاده. والمعنى: فقد عَقَد لنفسه من الدين