قد تقدم لك بيان المناسبة بين هذه السورة والسورة التي قبلها، فبدأ هذه السورة بأنه أقسم فيها بما هو غيب وشهود، وهو السماء ذات البروج، فإن كوكبها مشهود نورها، مرئي ضوؤها معروفة حركتها في طلوعها وغروبها، وكذلك البروج نشاهدها وفيها غيب لا تعرفه الحس، وهو حقيقة الكواكب، وما أودع الله فيها من القوى، وما فيها من عوالم لا نراها ولا ندرك حقيقتها، وأقسم بما هو غيب صرف، وهو اليوم الموعود، وما يكون فيه من حوادث البعث والحساب والعقاب والثواب، وأقسم بما هو شهادة صرفة، وهو الشاهد؛ أي: ذو الحسِّ، والمشهود: وهو ما يقع عليه الحس، فأقسم سبحانه بكل ما سلف على أن من قبلهم من المؤمنين الموحدين ابتلوا ببطش أعدائهم بهم، واشتدادهم في إيذائهم حتى خدوا لهم الأخاديد، وملؤوها بالنيران، وقذفوهم فيها، ولم تأخذهم بهم رأفة، بل كانوا يتشفون برؤية ما يحل بهم، وهم مع ذلك قد صبروا، وانتقم الله تعالى من أعدائهم، وممن أوقع بهم، وأخذهم بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر.
ولئن صبرتم أيها المؤمنون على الأذى ليوفينكم أجركم، وليأخذن أعداءكم، ولينزلن بهم ما لا قبَل لهم به، وقد حكى هذا القصص ليكون تثبيتًا لقلوب