تقدم لك بيان المناسبة بين أول هذه السورة والسورة التي قبلها.
واعلم: أن الله سبحانه أقسم في مستهل هذه السورة بالسماء ونجومها الثاقبة، إن النفوس لم تترك سدى، ولم ترسل مهملة، بل قد تكفل بها من يحفظها ويحصي أعمالها، وهو الله سبحانه، وفي هذا وعيد للكافرين، وتسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فكأنه يقول لهم: لا تحزنوا لإيذاء قومكم لكم، ولا يضق صدركم لأعمالهم، ولا تظنن أنا نهملهم ونتركهم سدى، بل سنجازيهم على أعمالهم بما يستحقون, لأنا نحصي عليهم أعمالهم، ونحاسبهم عليها يوم يعرضون علينا. {فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤)} والعد إنما يكون للحساب والجزاء.
قوله تعالى:{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما بين (١) أن الإنسان لم يترك سدى، ولم يخلق عبثًا .. نبهه إلى الدليل الواضح على صحة معاده، وأنه لا بد أن يرجع إلى ربه ليجازيه على ما عمل، فذكره بنفسه، ولفت نظره إلى كيفية خلقه ومنشئه، وأنه خلق من الماء الدافق الذي لا تصوير فيه، ولا تقدير للآلات التي يظهر فيها عمل الحياة كالأعضاء وغيرها، ثم أنشأه خلقًا كاملًا مملوءًا بالحياة والعقل والإدراك، قادرًا على القيام بالخلافة في الأرض.