المذكور وصيرناه وجعلناه {أَسْفَلَ سَافِلِينَ}؛ أي: أسفل من سفل في خلقه وصورته، وأضعف من ضعف في قوته وحيلته ورأيه؛ أي: جعلناه أضعف الضعفاء في القوة والعقل، فينقص عمله وأجره، بأن رددناه إلى أرذل العمر وأخسه، وهو الهرم والضعف بعد الشباب والقوة حتى يصير كالصبي، فيخرف وينقص عقله، كذا قال جماعة من المفسرين.
قال الواحدي: والسافلون: هم الضعفاء والزمناء والأطفال، والشيخ الكبير يكون أسفل من هؤلاء. وقيل المعنى: ثم رددنا ذلك الإنسان بعدما خلقناه في أحسن تقويم، وجعلناه بسبب سوء فعاله واعتقاده أسفل سافلين؛ أي: جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح، وأسفل من كل سافل؛ لعدم جريانه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات التي لو عمل بمقتضاها .. لكان في أعلى عليين، فالضمير راجع إلى الإنسان بالنظر إلى بعض أفراده على هذا المعنى، ففيه استخدام كما سيأتي في مبحثه.
والحاصل: أنه حُوِّل بسوء حاله من أحسن تقويم إلى أقبح تقويم صورة ومعنى؛ لأن مسخ الظاهر إنما هو من مسخ الباطن، فالمراد بـ {السافلين}: عصاة المؤمنين، وأفعل التفضيل هنا يتناول المتعدد المتفاوت، و {أَسْفَلَ سَافِلِينَ}؛ إما حال من المفعول؛ أي: رددنا ذلك الكافر إلى النار حال كونه أسفل السافلين في دركات النار، أو صفة لمكان محذوف؛ أي: رددناه إلى مكان هو أسفل أمكنة السافلين، والأول أظهر، ثم هذا بحسب بعض الأفراد الإنسانية وهو الكافر؛ لانغماسهم في بحر الشهوات الحيوانية البهيمية، وانهماكهم في ظلمات اللذات الجسمانية الشيطانية والسبعية، وفيه إشارة إلى أن الاعتبار إنما هو بالصورة الباطنة، لا بالصورة الظاهرة، فكم من مصور على أحسن الصور في الظاهر، وهو في الباطن على أقبح الهيئات، ولذا يجيء الناس يوم القيامة أفواجًا، فإن صفاتهم الباطنة تظهر على صورهم الظاهرة، فتتنوع صورهم بحسب صفاتهم على أنواع، وقال مجاهد وأبو العالية والحسن: المعنى: ثم رددنا الكافر إلى النار، وذلك أن النار درجات بعضها أسفل من بعض، فالكافر يرد إلى أسفل الدرجات السافلة، ولا ينافي هذا قوله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} فلا مانع من كون الكفار والمنافقين مجتمعين في ذلك الدرك الأسفل. وقيل في معنى الآية: لما وصف الله الإنسان