للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{الْإِنْسَانَ}؛ لأن الجمع بين الضميرين المتصلين لشيء واحد من خواص أفعال القلوب، فتقول: رأيتني صديقك، فلا يجوز: زيد ضربه، وهما ضميرا زيد.

وقرأ الجمهور (١): {أَنْ رَآهُ} بألف بعد الهمزة، وهي لام الفعل، وقرأ قنبل عن ابن كثير بحذف الألف، وهي رواية ابن مجاهد عنه، قال: وهو غلط لا يجوز، وينبغي أن لا يغلّطه بل يتطلب له وجهًا، وقد حُذف الألف في نحو من هذا، قال الشاعر:

وَصَّانِيَ الْعَجَّاجُ فِيْمَا وَصَّنِيْ

يريد فيما وصاني، فحذف الألف وهي لام الفعل، وقد حذفت في مضارع رأى في قولهم: أصاب الناس جهد ولو تَرَ أهل مكة، وهو حذف لا ينقاس، لكن إذا صحت الرواية به وجب قبوله، والقراءات جاءت على لغة العرب قياسها وشاذها.

وقيل معنى {كَلَّا} حقًا كما مر عن السجاوندي، والمعنى عليه: أي (٢) حقًا، إن أمر الإنسان لعجب، فإنه متى أحس من نفسه قدرة وثروة خرج من الحد الذي يجب أن يكون عليه، واستكبر عن الخشوع لربه وتطاول بأذى الناس، وعد نفسه فوقهم جميعًا، وقد كان من حقه أن يكون هو وإياهم أعضاء أسرة واحدة يتعاونون في السراء والضراء، ويحب الخير لهم، كما يحبه لنفسه، وفي "البخاري": "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، وروي عن علي في نصيحته لابنه الحسن: أحب الخير لغيرك كما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه -: منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب الدنيا ولا يستويان، أما طالب العلم فيزداد في رضا الله، وأما طالب الدنيا فيزداد في الطغيان.

وتعليل طغيانه برؤيته لنفسه الاستغناء (٣)؛ للإيذان بأن مدار طغيانه زعمه الفاسد، روي: أن أبا جهل قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتزعم أن من استغنى طغى؟ فاجعل لنا جبال مكة ذهبًا وفضة لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك، فنزل جبريل، فقال: إن شئت فعلنا ذلك، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب


(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.