للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الخيل والإغارة بها على العدو؛ ليكون كل امرىء مسلم منهم عاملًا ناصبًا إذا جد الجد واضطرت الأمة إلى صد عدو أو بعثها باعث على كسر شوكته، يرشد إلى ذلك قوله في آية آخرى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} وفي إقسام الله بها بوصف العاديات المغيرات الموريات إشارة إلى أنه يجب أن تقتنى الخيل لهذه الأغراض والمنافع لا للخيلاء والزينة، وأن الركوب الذي يحمد ما يكون لكبح جماح الأعداء وخضد شوكتهم وقد عدوانهم.

وقصارى ذلك: أن للخيل في عدوها فوائد لا يحصى عدها، فهي تصلح للطلب وتسعف في الهرب، وتساعد جِد المساعدة في النجاء والفر والكر على الأعداء وقطع شاسع المسافة في الزمن القليل.

ثم ذكر المحلوف عليه بتلك الإيمان الشريفة {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) أي: إن جنس (١) الإنسان طبع على نكران الحق وجحوده، وعدم الإقرار بما لزمه من شكر خالقه والخضوع له، إلا من عصم الله تعالى وهم الذين روَّضوا أنفسهم على فعل الفضائل وترك الرذائل ما ظهر منها وما بطن. وعبارة الرازي: لما ذكر المقسم به، وهو ثلاثة أمور: ذكر المقسم عليه، وهو أمور ثلاثة، أولها: قوله: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) ثانيها: قوله: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)} ثالثها: قوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) وقوله: {أَفَلَا يَعْلَمُ ...} إلخ، شروع في تخويف الإنسان بعد تعديد قبائح أفعاله عليه، فأقسم بثلاثة على ثلاثة اهـ. وروي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكَنود: الذي يأكل وحده، ويضرب عبده، ويمنع رفده"؛ أي: عطاءه، أي: أنه لا يعطي شيئًا مما أنعم الله به عليه، ولا يرأف بعباده كما رأف به، فهو كافر بنعمته مجانف لما يقتضي به العقل والشرع. وسر الجِبِلَّة: أن الإنسان يحصر همه فيما حضره وينسى ماضيه وما عسى أن يستقبله، فإذا أنعم الله عليه بنعمة .. غرته غفلته، وقسا قلبه، وامتلأ جفوة على عباده. وقال ابن عباس: الكنود: الكفور الجحود لنعمة الله تعالى. وقيل: {الكنود} العاصي، وقيل: هو الذي يعد المصائب وينسى النعم، وقيل: هو قليل الخير، مأخوذ من الأرض الكنود وهي التي لا تنبت شيئًا. وقال الفضيل بن


(١) روح البيان.