وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التذكير والتوبيخ في قوله: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)}؛ لأنه قد خرج الخبر فيه عن حقيقته إلى التوبيخ والتذكير.
ومنها: حذف المُلهى عنه؛ أي: الذي أُلْهِيَ عنه، وهو ما يعنيهم من أمر الدين في قوله: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (١)}؛ للتعظيم والمبالغة، أما الأول فلأن الحذف كالتنكير قد يُجعل ذريعة إلى التعظيم لاشتراكهما في الإبهام، وأما الثاني فلأن تذهب النفس كل مذهب ممكن، فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام، مثل ألهاكم التكاثر عن ذكر الله تعالى، من ألهاكم التكاثر عن الواجبات أو عن المندوبات أو عن المهمات مثلًا.
ومنها: الكناية في قوله: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}؛ لأنه عبر عن انتقالهم إلى ذكر الموتى بزيارة القبور؛ أي: جُعلت الزيارة كناية عنه تهكمًا بهم، قال الطيبي: إنما كان تهكمًا؛ لأن زيارة القبور شُرعت لتذكر الموت ورفض حب الدنيا وترك المباهاة والتفاخر، وهؤلاء عكسوا حيث جعلوا زيارة القبور سببًا لمزيد القسوة والاستغراق في حب الدنيا والتفاخر بالكثرة.
ومنها: التكرار للتهديد والإنذار في قوله: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤)}، وعطفه بـ {ثُمَّ} للتنبيه على أن الثاني أبلغ من الأول، كما يقول