قيل من العكس؛ لأن الجملة الثانية والثالثة والرابعة كلها جمل اسمية مصدرة بالضمائر التي هي المبتدأ في كل واحد منها، فكيف يصح القول مع هذا الاتحاد بأن معانيها في الحال والاستقبال مختلفة؟ وأما قول من قال: إن كل واحد منها يصلح للحال والاستقبال، فهو إقرار منه بالتكرار؛ لأن حمل هذا على معنى، وحمل هذا على معنى آخر مع الاتحاد يكون من باب التحكم الذي لا يدل عليه دليل.
وإذا تقرر لك هذا (١): فاعلم أن القرآن نزل بلسان العرب، ومن مذاهبهم التي لا تجحد واستعمالاتهم التي لا تُنكر أنهم إذا أرادوا التأكيد كرروا، كما أن من مذاهبهم أنهم إذا أرادوا الاختصار أوجزوا، وهذا معلوم لكل من له علم بلغة العرب، وهذا مما لا يحتاج إلى إقامة البرهان عليه؛ لأنه يستدل على ما فيه خفاء، ويبرهن على ما هو متنازع فيه، وأما ما كان من الوضوح والظهور والجلاء بحيث لا يشك فيه شاك ولا يرتاب فيه مرتاب، فهو مستغن عن التطويل غير محتاج إلى تكثير القال والقيل، وقد وقع في القرآن من هذا ما يعلمه كل من يتلو القرآن، وربما يكثر في بعض السور، كما في سورة الرحمن وسورة المرسلات، وفي أشعار العرب من هذا ما لا يأتي عليه الحصر، ومن ذلك قول الشاعر: