بالاستعاذة، وأدعى إلى الإعاذة؛ أي: من شر ليل مختلط ظلامه مشتد، وذلك بعد غيبوبة الشفق، ومنه قوله تعالى:{إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}؛ أي: اجتماع ظلمته، وفي "القاموس": الغَسَق - محركة - أول الليل، وغسق الليل غسقًا، ويحرك اشتدت ظلمته، فالغاسق الليل المظلم، كما في "المفردات"، وأصل الغسق الامتلاء، يقال: غسقت العين إذا امتلأت دمعًا أو السيلان، وغسق العين سيلان دمعها، وإضافة الشر إلى الليل لملابسته له بحدوثه فيه {إِذَا وَقَبَ} الوقب: النقرة في الشيء كالنقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء، ووقب إذا دخل في وقب، ووقبت الشمس إذا غابت، ووقب الظلام إذا دخل، والمعنى: ومن كل شر واقع في الليل وقت دخول ظلامه وتقييده به؛ لأن حدوث الشر فيه أكثر، والتحرز منه أصعب وأعسر، ولذلك قيل: الليل أخفى للويل، وقيل: أغدر الليل؛ لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر والغوث يقل في الليل، ولذا لو شهر إنسان بالليل سلاحًا فقتله المشهر عليه لا يلزمه قصاص، ولو كان نهارًا يلزمه؛ لأنه يوجد فيه الغوث.
والحاصل: أنه ينبعث أهل الحرب في الليل، وتخرج فيه عفاريت الجن والهوام والسباع وجميع المؤذيات، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من السير في الليل، وأمر بتغطية الأواني وإغلاق الأبواب وإيكاء الأسقية وضم الصبيان، وكل ذلك للحذر من الشر والبلاء، وقيل: الغاسق القمر إذا امتلأ نورًا، ووقوبه امتلاؤه نورًا أو خسوفه واسوداده؛ لما رواه أحمد والترمذي وابن جرير عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيدي، فأشار إلى القمر، فقال:"تعوذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب"، وقال الترمذي حسن صحيح، وشره الذي يتقى منه ما يكون في الأبدان، كالآفات التي تحدث بسببه، ويكون في الأديان كالفتنة التي بها افتتن من عبده وعبد الشمس، وقيل: التعبير عن القمر بالغاسق؛ لأن جرمه مظلم، وإنما يستنير بضوء الشمس، وقيل: وقوبه محاقه في آخر الشهر، والمنجمون يعدونه نحسًا، ولذلك (١) لا تشتغل السحرة بالسحر المورث للتمريض إلا في ذلك. قيل: وهو المناسب لسبب النزول،: وقيل: الغاسق الثريا، ووقوبها سقوطها؛ لأنها إذا سقطت كثرت الأمراض والطواعين، وإذا طلعت قلَّت الأمراض والآلام، وقيل: هو