وذكر بعضهم الفرق بين البيع والربا، فقال: إذا باع ثوبًا يساوي عشرة بعشرين، فقد جعل ذات الثوب مقابلًا للعشرين، فلما حصل التراخي على هذا التقابل .. صار كل واحد منهما مقابلًا للآخر في المالية عندهما، فلم يكن أخذ من صاحبه شيئًا بغير عوض، أما إذا باع عشرة دراهم بعشرين: فقد أخذ العشرة الزائدة بغير عوض، ولا يمكن أن يقال: إن العوض هو الإمهال في مدة الأجل؛ لأن الإمهال ليس مالًا أو شيئًا يُشار إليه حتى يجعله عوضًا عن العشرة الزائدة، فقد ظهر الفرق بين الصورتين. انتهى.
وعبارة "الخازن": وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حلَّ ماله على غريمه فيطالبه، يقول الغريم لصاحب الحق: زدني في الأجل حتى أزيدك في المال، فيفعلان ذلك. وكانوا يقولون: سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح، أو عند المحل لأجل التأخير، فكذبهم الله تعالى، ورد عليهم ذلك بقوله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}؛ أي: أحل الله لكم الأرباح في التجارة بالبيع والشراء، وحرم عليكم الربا الذي هو زيادة في المال لأجل تأخير الأجل؛ وذلك لأن الله تعالى خلق الخلق فهم عبيده، وهو مالكهم يحكم فيهم بما يشاء، ويستعبدهم بما يريد، ليس لأحد أن يعترض عليه في شيء مما أحل أو حرم، وإنما على كافة الخلق الطاعة والتسليم لحكمه وأمره ونهيه.
{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ}؛ أي: فمن بلغته موعظةٌ من الله، وزَجْرٌ وتخويفٌ عن الربا. وإنما ذكر الفعل؛ لأن الفاعل مؤنث مجازي، أو لوجود الفاصل. وقرأ أبو الحسن شذوذًا:{فمن جاءته} بالتاء على الأصل. {فَانْتَهَى}؛ أي: فامتثل النهي الذي جاءه، وانزجر عن أخذه {فَلَهُ مَا سَلَفَ}؛ أي: له ما تقدم، وأكل من الربا قبل النهي، وليس عليه رد ما أخذ وسلف قبل النهي، فلا يؤاخذ به؛ لأنه أخذه قبل نزول التحريم، وأما ما لم يقضِ قبل النهي: فلا يجوز له أخذه، وإنما له رأس ماله فقط. {وَأَمْرُهُ}؛ أي: أَمْر من عامل بالربا مفوض {إِلَى اللَّهِ} يجازيه على انتهائه إن كان عن قبول الموعظة، وصدق النية، وقيل: يحكم في شأنه يوم القيامة بما شاء، وليس من أمره إليكم شيء، فلا تطالبوه به.