وعن ابن عباس رضي الله عنهما: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، وهم يسلفون في التمر العام والعامين، فقال لهم:"من أسلف في تمر، ففي كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم". متفق عليه. {فَاكْتُبُوهُ} أي: فاكتبوا ذلك الدين الذي تداينتم به وتحملتم به في ذممكم بيعًا كان ذلك التعامل، أو سلفًا بأجله؛ لأنه أوثق وأرفع للنزاع، والأكثرون على أن أمر هذه الكتابة أمر استحباب، فإن ترك فلا بأس، وهو أمر تعليم ترجع فائدته إلى منافع الخلق في دنياهم، فلا يثاب عليه المكلف إلا إن قصد الامتثال.
قال المفسِّرون: المراد بالمداينة: السلَم، فالله تعالى لما منع الربا في الآية المُتقدِّمَةِ .. أذن في السلَم في هذه الآية مع أن جميع المنافع المطلوبة من الربا حاصلة في السلم، ولهذا قال بعض العلماء: لا لذة ولا منفعة يوصل إليها بالطريق الحرام إلا وضع الله تعالى لتحصيل مثل تلك اللذة طريقًا حلالًا، وسبيلًا مشروعًا. والقرض غير الدين؛ لأن القرض: أن يقرض الإنسان دراهم أو دنانير أو حبًّا أو ثمرًا أو ما أشبه ذلك، ويسترد مثله، فلا يجوز فيه شرط الأجل بخلاف الدين، فيجوز فيه الأجل، فإن ذكر الأجل في القرض، فإن كان للمقرض فيه غرض أفسده، وإلا فلا يفسده، ولا يجب الوفاء به، لكنه يُستحب.
وقال أكثر المفسرين: إن البيوع على أربعة أوجه:
أحدها: بيع العين بالعين؛ وذلك ليس بمداينة البتة.
والثاني: بيع الدين بالدين، وهو باطل؛ فلا يكون داخلًا تحت هذه الآية.
والثالث: بيع العين بالدين، وهو ما إذا باع شيئًا بثمن مؤجل.
والرابع: بيع الدين بالعين وهو المسمى: بالسلم، وكلاهما داخلان تحت هذه الآية.
{وَلْيَكْتُبْ} كتاب الدين {بَيْنَكُمْ}؛ أي: بين الدائن والمديون، والبائع والمشتري. والبينية تقتضي أن لا ينفرد أحد المتعاملين بالكتابة؛ لأنه يتهم فيها، فإذا كانت واقعة بينهما كان كل واحد منهما مطلعًا على ما سطره الكاتب. {كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ}؛ أي: بالحق والإنصاف بحيث لا يكون في قلبه، ولا في