للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عاجزًا لا يقدر أن يمل هو بنفسه على الكاتب، ولا يحسن الإسماع له بنفسه لخرس، أو عيٍّ، أو جهل باللغة، أو بما عليه وما له من الدين، أو حبس، أو غيبة لا يمكنه الحضور عند الكاتب، فهؤلاء كلهم لا يصح إقرارهم فلا بد من أن يقوم غيرهم مقامهم، كما ذكره بقوله سبحانه وتعالى: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ}؛ أي: فليقر على الكاتب، ويبين له وليُّ كل واحد من هؤلاء الثلاثة: السفيه، والضعيف، وغير المستطيع {بِالْعَدْلِ}؛ أي: بالصدق والحق من غير زيادة ولا نقصان؛ لأنه يقوم مقامه في صحة الإقرار. والمراد بالولي لغة: هو من له ولاية عليه بأيِّ طريقٍ كان؛ كوالد ووصيٍّ وقيم ومترجم ووكيل. وقال (١) ابن عباس رضي الله عنهما: أراد بالولي صاحب الدين؛ يعني: إن عجز الذي عليه الحق عن الإملاء .. فليملل صاحب الحق؛ لأنه أعلم بحقه {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ}؛ أي: واشهدوا ندبًا على حقوقكم مع كتابتها شاهدين {مِنْ رِجَالِكُمْ}؛ أي: من أهل ملتكم أيها المؤمنون؛ يعني: من الرجال البالغين الأحرار المسلمين زيادة في التوثقة؛ لأن المقصود من الكتابة هو الإشهاد، فالبلوغ مستفاد من لفظ رجال، والإِسلام من الإضافة إلى كاف الخطاب، والحرية مستفادة أيضًا من لفظ رجال؛ لأنه ظاهر في الكاملين؛ لأن الأرقاء بمنزلة البهائم، فبقي اشتراط العدالة، المستفادة من قوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}، وعند (٢) شُريح وابن سيرين وأحمد: تجوز شهادة العبيد، وأجاز أبو حنيفة شهادة الكفار بعضهم على بعض.

{فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ}؛ أي: فإن لم يكن الشاهدان رجلين؛ بأن لم يوجد أو لم يقصد إشهادهما {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}؛ أي: فليشهد رجل وامرأتان كائنون ممن ترضونه {مِنَ الشُّهَدَاءِ} لدينه وعدالته. وقوله: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} على حذف لام التعليل المتعلقة بمعلول محذوف؛ تقديره: وإنما اشترط التعدد في النساء؛ لأجل أن تنسى إحدى المرأتين الشهادة؛ لنقص عقلهن وقلة ضبطهن، فتذكر إحداهما الذاكرةُ للشهادة المرأة الأخرى الناسية لها. والعلة في


(١) الخازن.
(٢) مراح.