للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعرف إيمانه في عمله، والكافر يعرف كفره بإنكاره، أيها الناس دينَكُم دينَكُم، فإن السيئة فيه خير من الحسنة في غيره؛ إن السيئة فيه تغفر وأن الحسنة في غيره لا تقبل.

{وَمَا اخْتَلَفَ} وتفرق {الَّذِينَ أُوتُوا} وأعطوا {الْكِتَابَ}؛ أي: التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى في دين الإِسلام، وأنكروا نبوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: نحن أحق بالنبوة من قريش؛ لأنهم أميون ونحن أهل الكتاب {إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ} وحصل لهم {الْعِلْمُ} والمعرفة بصدق محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بما عرفوه في كتبهم من نعته ووصفه قبل بعثته. {بَغْيًا بَيْنَهُمْ}؛ أي: ما خالفوه وأنكروه إلا لأجل الحسد الكائن منهم وطلب الرياسة لا لشُبهةٍ وخفاءٍ في أمره.

وقال الأخفش (١): في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى: ما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغيًا بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم، والمراد بهذا الخلاف الواقع بينهم هو: خلافهم في كون نبينا - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا أم لا، وقيل: اختلافهم في دين الإِسلام، فقال قوم؛ إنه حق، وقال قوم: إنه مخصوص بالعرب، ونفاه آخرون مطلقًا، وقيل: اختلافهم في التوحيد، فثلثت النصارى، وقالت اليهود: عزير ابن الله. وقيل: اختلافهم في نبوة عيسى وقيل: اختلافهم في ذات بينهم حتى قالت اليهود: ليست النصارى على شيء، وقالت النصارى: ليست اليهودُ على شيء.

وقيل معنى الآية (٢): وما خرج أهل الكتاب من الإِسلام الذي جاء به أنبياؤهم وصاروا مذاهب وشيعًا يقتتلون في الدين، والدين واحد، لا مجال فيه للاختلاف والاقتتال إلا بسبب البغي وتجاوز الحد من الرؤساء، ولولا بغيهم ونصرهم مذهبًا على مذهب وتضليلهم من خالفهم بتفسيرهم نصوص الدين بالرأي والهوى وتأويل بعضه أو تحريفه .. لما حدث هذا الاختلاف، والقصد من إخبار هذا الاختلاف أن نبتعد عن الخلاف في الدين والتفرق فيه إلى شيع ومذاهب، كما فعل مَن قبلنا،


(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.