للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{تَوَدُّ}؛ أي: والذي عملته وكسبته نفس من سوء وعصيان حالة كونه محضرًا ومكتوبًا في ديوانها تود وتتمنى وتحب {لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا}؛ أي: تتمنى كون مسافة بعيدة طويلة بينها وبين ذلك السوء خوفًا من جزائه وعقوبته، قيل: كما بين المشرق والمغرب.

فما رأى (١) من عمله حسنًا .. سرَّه ذلك، وأفرحه، وما رأى من قبيحٍ .. ساءَه وغصه وود لو أنه تبرأ منه، وكان بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان قرينًا به في الدنيا، وهو الذي جرأه على فعل السوء: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}، ثم قال تعالى مؤكدًا ومهددًا ومتوعدًا: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}؛ أي: يخوفكم عقابه، والعني: احذروا من سخط الله؛ بترجيح جانب الخير وعمله على ما يزينه لكم الشيطان من عمل السوء. {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وكرر هذه الجملة؛ إما للتأكيد، والأحسن ما قاله سعد الدين التفتازاني: إن ذكره أولًا للمنع من موالاة الكافرين، وثانيًا للحث على عمل الخير والمنع من عمل الشر، ثم قال جل جلاله مرجيًا لعباده؛ لئلا ييئسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}؛ أي: شديد الرحمة بهم؛ حيث قطع عذرهم ببيان ذلك في زمن يسع التوبة والرجوع إليه فيه، ومن جملة رأفته بهم: كثرة التكرار والتأكيد في الكلام؛ لعله يصل إلى قلوب السامعين، فيعملوا بمقتضاه.

قال الحسن البصري: ومن رأفته أن حذرهم نفسه، وعرفهم كمال علمه وقدرته؛ لأنهم إذا عرفوه حق المعرفة .. دعاهم ذلك إلى طلب رضاه واجتناب سخطه. انتهى.

ومن رأفته أيضًا أن جعل الفطرة الإنسانية ميَّالةً بطبعها إلى الخير، مبغضة لما يعرض لها من الشر، وأن جعل أثر الشرِّ في النفس قابلًا للمحو بالتوبة والعمل الصالح.


(١) ابن كثير.