للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نفسه كانت مائلة إلى أكل تلك الأنواع، فامتنع من أكلها قهرًا للنفس، وطلبًا لمرضاة الله تعالى، كما يفعله كثير من الزهاد، فعبر عن ذلك الامتناع بالتحريم، وذلك بعد إبراهيم بألف سنة، ولم تكن الإبل حرامًا على عهد إبراهيم كما زعموا.

والمعنى: كل الأطعمة كانت حلالًا لبني إسرائيل قبل نزول التوراة إلا ما حرمه يعقوب على نفسه، وهو لحم الإبل ولبنها ثم حرمت عليهم أنواع من الأطعمة الشحوم وغيرها عقوبة لهم على معاصيهم، أو المراد (١) بإسرائيل: الشعب كله، كما هو شائع في الاستعمال عندهم لا يعقوب فقط، كما أن المراد بتحريم الشعب ذلك على نفسه: أنه اجترح من السيئات، وارتكب من الموبقات ما كان سببًا في هذا التحريم كما تدل عليه آية {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ}.

وخلاصة هذا الجواب: أنَّ الأصل في الأطعمة الحلُّ، وما كان تحريم ما حرم على إسرائيل إلا تأديبًا لهم على جرائم ومخالفات وقعت منهم، وكان سببًا فيما نالهم من التحريم لها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته لم يجترحوا هذه السيئات، فلا تحرم عليهم هذه الطيبات.

ومعنى قوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ} أنه قبل نزول التوراة كان حلًّا لبني إسرائيل كل أنواع المطعومات، أما بعد نزولها: فقد حرم عليهم أنواع كثيرة بسبب الذنوب التي اقترفوها، وقد بينتها التوراة وبينت أسباب التحريم وعلله.

{قُلْ} لهم يا محمد، هذا هو الحق لا زعمكم يا معشر اليهود {فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ}؛ أي: أحضروها، {فَاتْلُوهَا}؛ أي: فاقرؤوها عليَّ لتحكم بيني وبينكم {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} في دعواكم بأن التحريم قديم. وفي استدعاء (٢) التوراة منهم وتلاوتها، الحجة الواضحة على صدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كان عليه السلام


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.