باطلٍ، فإن الإنسان إن لم يتبين له بطلان ما هو عليه، لا يلتفت إلى الحق الذي عليه غيره، وإن دعاه إليه، وبالجملة فلا يقوم بهذه الدعوة إلا خواص الأمة العارفون بأسرار الأحكام، وحكمة التشريع، وفقهه، وهم الذين أشار إليهم الكتاب الكريم بقوله:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}.
وهؤلاء يقومون بتطبيق أحكام الله تعالى على مصالح العباد في كل زمان ومكان على مقدار علمهم في المساجد، والمعابد، والمنتديات العامة، وفي المحافل عند سنوح فرصةٍ. فإذا هم فعلوا ذلك كثر في الأمة الخير، وندر فيها وقوع الشر، وائتلفت قلوب أهاليها، وتواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر، وسعدوا في دنياهم وآخرتهم. وأمة هذه حالها تسود غيرها من الأمم باجتماع كلمتها، واتفاق أهوائها إذ لا مطمع لها إلا رفعة شأن دينها، وعزة أبنائها وسيادتها العالم كله. ولن يتم ذلك إلا إذا أعد أهلها للأمر عدته، وكملوا أنفسهم بالمعارف والعلوم التي تحتاج إليها الأمم التي تبغي السعادة والرقي، وتخلقوا بفاضل الأخلاق، وحميد الصفات حتى يكونوا مثلًا عليا يحتذى بها، ويشار إليهم بالبنان.
وإن ما أودع في ديننا من هذا، وما خلفه لنا السلف الصالح من الكنوز والثروة العلمية، فيه غنية لمن يريد الخير والفلاح، وقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن خير الناس، فقال:"آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم لله، وأوصلهم للرحم".
وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابًا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجاب لكم".
وعن علي رضي الله عنه: أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن غضب لله غضب الله له. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع