للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والحكمة في بياض الوجوه وسوادها: أن أهل الموقف إذا رأوا بياض وجه المؤمن، عرفوا أنه من أهل السعادة، وإذا رأوا سواد وجه الكافر .. عرفوا أنه من أهل الشقاوة. ونحو هذه الآية قوله تعالى: {وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١)} وقوله: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} وقوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} وفي الحديث: "إن أمتي يحشرون غرًّا محجلين من أثر الوضوء".

وخلاصة الكلام: أنَّ هؤلاء المختلفين المتفرقين لهم عذاب عظيم في هذا اليوم، كما تظاهرت على ذلك الآيات والأحاديث، كما يكون لهم مثل ذلك في الدنيا؛ إذ هم لاختلاف مقاصدهم لا يتناصرون، ولا يتعاونون، ولا يأبهون بالأعمال التي فيها شرف الملة وعز الأمة، فتسود وجوههم بالذل والكآبة حين يجنون ثمار أعمالهم، وعواقب تفرقهم، واختلافهم بقهر الغاصب لهم، وانتزاعه السلطة عن أيديهم، والتاريخ والمشاهدة شاهدا صدق على هذا.

أما المتفقون الذين اعتصموا، واتفقوا على الأعمال النافعة لخير الأمة وعزها، وأصبح كل واحد منهم عونًا للآخر، وناصرًا له، فأولئك تبيض وجوههم، وتتلألأ بهجة وسرورًا حين تظهر لهم آثار اتفاقهم، واعتصامهم بوجود السلطان والعزة والشرف وارتفاع المكانة بين الأمم.

وقرأ (١) الجمهور {تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ} بفتح التاء، وقرأ يحيى بن وثاب، وأبو رزين العقيلي، وأبو نهيك {تبْيَضُّ} و {تسْوَدُّ} بكسر التاء فيهما، وهي لغة تميم. وقرأ الحسن، والزهري، وابن محيصن، وأبو الجوزاء {تَبياض} و {تسواد} بألف فيهما، ويجوز كسر التاء في {تبياض وتسواد}، ولم ينقل أنه قرئ ذلك.

ثم فصل سبحانه وتعالى أحوال الفريقين فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ} وأظلمت {وُجُوهُهُمْ} بسبب تفرقهم واختلافهم فيلقون في النار، وتقول الزبانية توبيخًا لهم {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، أي: هل كفرتم بعد ما ظهر لكم ما يوجب


(١) البحر المحيط.