وهذا المعنى الثاني: ممكن هنا، فالمعنى عليه، وإذ غدوت؛ أي صرت تبوىء المؤمنين؛ أي؛ تنزلهم في منازل، وهذا أظهر من المعنى الآخر؛ لأنَّ المذكور في القصة أنه سار من أهله بعد صلاة الجمعة، وبات في شعب أحد، وأصبح ينزل أصحابه في منازل القتال، ويدبرهم أمر الحرب.
{تُبَوِّئُ}؛ أي: تهىء وتبوىء وتنزل مضارع بوأَ من باب فعل المضاعف، وأصله من المباءة، وهي المرجع، فالمباءة مكان البوء، والبوء الرجوع، وهو هنا المقرُّ؛ لأنه يبوءُ إليه صاحبه. ويقال: بوأته منزلًا، وبوأت له منزلًا؛ أي؛ أنزله فيه فأصل التبوَّؤ اتخاذ المنزل.
{مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} جمع مقعد؛ وهو مكان القعود، والمراد: المراكز، والمواطن، والمواقف، وعبر عنها بالمقاعد، إشارةً إلى طلب ثبوتهم فيها، وإن كانوا وقوفًا كثبوت القاعد في مكانه،
{إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ} يقال: هممت بكذا، أهم به، بضم الهاء من باب: رد إذا قصده، وأراد فعله، فالهم حديث النفس، وتوجهها إلى الشيء بلا عزم عليه.
وقال أبو حيان: وأوَّل ما يمر الشيء على القلب يسمى خاطرًا، فإذا تردد صار حديث نفس فإذا ترجح فعله صار همًّا، فإذا قوى وأشتد صار عزمًا، فإذا قوى العزم واشتدَّ حصل الفعل أو القول.
{أَنْ تَفْشَلَا} يقال فشل يفشل فشلا من باب فرح إذا ضعف وجبن عن الحرب، وقال بعضهم: الفشل في البدن الإعياء وعدم النهوض وفي الحرب الجبن والخور، وفي الرأي العجز والفساد، والفعل منه فشل بكسر العين من باب تعب وتفاشل الماء إذا سأل.
{فَلْيَتَوَكَّلِ} التوكل تفعل من وكل فلان أمره إلى فلان إذا فوضه إليه، واعتمد عليه في كفايته، ولم يتوله بنفسه. وقال ابن فارس (١): التوكل: إظهار