كل ما يسمى ذنبًا من صغيرة، أو كبيرة والإسراف ما فيه مجاوزةٌ للحدِّ، فهو من عطف الخاص على العام. وإنما أضافوا الذنوب والإسراف إلى أنفسهم مع كونهم ربانيين برآء من التفريط في جنب الله تعالى هضمًا لها، واستقصارًا لهم وإسنادًا لما أصابهم إلى أعمالهم. وقدموا الدعاء بمغفرتها على ما هو الأهم بحسب الحال من الدعاء بقولهم:{وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} في مواطن الحرب بالتقوية والتأييد من عندك أو بإزالة الخوف من القلوب وإزالة الخواطر الفاسدة من الصدور أو ثبتنا على دينك الحق {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} بالمصابرة والمجاهدة تقريبًا له إلى حيز القبول، فإن الدعاء، المقرون بالخضوع الصادر عن ذكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة.
والمعنى: لم يزالوا مواظبين على هذا الدعاء من غير أن يصدر منهم قولٌ يوهم شائبة الجزع والتزلزل في مواقف الحرب، ومراصد الدِّين، وفيه من التعريض للمنهزمين عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ما لا يخفى، ذكره، أبو السعود.
والخلاصة: أن هؤلاء الربّيين لم يكن لهم من قولٍ عند اشتداد الخطوب، ونزول الكوارث إلا الدعاء، لربهم بأن يغفر لهم بجهادهم، ما كانوا ألموا به من الذنوب، وتجاوزوا حدود الشرائع، وأن يثبت أقدامهم على الصراط القويم، الذي هداهم إليه حتى لا تزحزحهم الفتن، ولا يعروهم الفشل، والوهن حين مقابلة الأعداء، وأن ينصرهم على القوم الكافرين الذين يجحدون الآيات، ويعتدون على أهل الحق، فلا يمكنونهم من إقامة ميزان القسط، فما النصر إلا من عند الله يؤتيه من يشاء بمقتضى السنن التي هدى إليها خلقه، وألهمها عباده.
وفي هذا إيماءٌ إلى أن الذنوب والإسراف في الأمور من عوامل الخذلان والطاعة والثبات والاستقامة من باب النصر والفلاح، ومن ثم سألوا ربهم أن يمحو من نفوسهم أثر الذنوب، وأن يوفقهم إلى دوام الثبات حين تزل الأقدام.
وفي طلبهم النصر من الله مع كثرة عددهم التي دل عليها قوله:{رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} إعلامٌ بأنهم لا يعولون على كثرة العدد بل يطلبون العون والمدد الروحاني من الله تعالى بثبات الأقدام والتمسك بأهداب الحقِّ.