للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومنها: أنه إذا لم ينجح أمره .. علم أن امتناع النجاح محض قدرٍ، فلم يلم نفسه. وقال بعضهم: يجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا، ومشاورة وجه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها. وحكى القرطبيُّ عن ابن عطية: أنه لا خلاف في عزل من لا يستشير بأهل العلم، والدِّين. ذكره الشوكاني. وقال بعضهم في مدح المشاورة:

وَشَاوِرْ إِذَا شَاوَرْتَ كُلَّ مُهَذَّبٍ ... لَبِيْبٍ أَخِىْ حَزْمٍ لتَرْشَدَ فِيْ الأَمْرِ

وَلاَ تَكُ مِمَّنْ يَسْتَبِدُّ بِرَأيِهِ ... فَتَعْجَزَ أوْ لَا تَسْتَرِيْحَ مِنَ الْفِكْرِ

ألَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِعَبْدِهِ ... وَشَاوِرْهُمْ فِيْ الأمْرِ حَتْمًا بِلَا نُكْرِ

{فَإِذَا عَزَمْتَ} وجزمت، وصممت نفسك بعد المشاورة على شيء من أمورك، وقصدت إمضاءه {فَتَوَكَّلْ}، واعتمد {عَلَى} معونة {اللَّهِ} سبحانه وتعالى واستعن به في إمضائه لا على المشاورة، والمقصود: أن لا يكون للعبد اعتمادٌ على شيء إلا على الله تعالى، في جميع أموره، فالمشورة لا تنافي التوكل، فإنه ليس التوكل هو إهمال التدبير بالكلية، وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيا للأمر بالتوكل، بل التوكل هو: أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة، ولكن لا يعول بقلبه عليها بل يعول بقلبه على عصمة الله ومعونته فـ {إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {يُحِبُّ}، ويثيب {الْمُتَوَكِّلِينَ} والمعتمدين عليه في جميع أمورهم الواثقين به، فينصرهم، ويرشدهم إلى ما فيه خيرٌ لهم وصلاحٌ. فالتوكل: هو الاعتماد على الله، والتفويض في الأمور إليه. وقال ذو النون: التوكل: خلع الأرباب، وقطع الأسباب، والصحيح: أن التوكل إنما يكون مع الأخذ في الأسباب، وبدونها يكون دعوى التوكل جهلًا بالشرع، وفسادًا في العقل.

وقرأ الجمهور (١) {عَزَمْتَ} على الخطاب كالذي قبله، وقرأ عكرمة، وجابر بن زيد، وأبو نهيك، وجعفر الصادق، {عَزَمْتَ} بضم التاء على أنها


(١) البحر المحيط.