للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منه طول حياته، إلا الصدق، والأمانة، والدعوة إلى الله، والإعراض عن الدنيا، فكيف يظن بمن هذه حاله خيانةٌ وغلولٌ، وقد وصفه الله سبحانه وتعالى بأوصافٍ كل منها يقتضي عظيم المنة وجسيم النعمة:

الأول: أنه من أنفسهم؛ أي: إنه عربي من جنسهم، وبذا يكونون أسرع الناس إلى فهم دعوته، والاهتداء بهديه، وأقرب إلى الثقة به من غيرهم.

والثاني: أنه {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}؛ أي: يقرأ عليهم كتابه، وقرآنه الذي أنزل عليه بعد أن كانوا أهل جاهلية، لم يطرق أسماعهم شيءٌ من الوحي السماوي.

والثالث؛ أنه {يزكيهم} ويطهرهم من العقائد الزائغة، ووساوس الوثنية، وأدرانها إذ أن العرب وغيرهم قبل الإِسلام كانوا فوضى في أخلاقهم، وعقائدهم، وآدابهم، فكان محمَّد - صلى الله عليه وسلم - يقتلع منهم جذور الوثنية، ويدفع عنهم العقائد الباطلة كاعتقادهم أن وراء الأسباب الطبيعية التي ارتبطت بها المسببات منافع ترجى ومضار تخشى من بعض المخلوقات، فيجب تعظيمها، والالتجاء إليها دفعًا لشرها، وجلبًا لخيرها، وتقربًا إلى خالقها، ولا شك أن من يعتقد مثل هذا يكون أسير الأوهام، وعبيد الخرافات يخاف في موضع الأمن، ويرجو حيث يجب الحذر والخوف.

والرابع: أنه {يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ}؛ أي: يعلمهم معاني القرآن وتفسيره {و} يعلمهم {الْحِكْمَةَ}؛ أي: السنة، والحديث، فتعليم الكتاب (١) اضطرَّهم إلى تعلم الكتابة، وأخرجهم من الأمية إلى نور العلم، والعرفان، فقد طلب إليهم كتابة القرآن، واتخذ كتبة للوحي وكتب كتبًا دعا بها الملوك، والرؤساء إلى الإِسلام، في سائر الأقطار، المعروفة، فانتشرت الكتابة بينهم، وعظمت مدينتهم، وامتدت سلطتهم، فملكوا الأمم التي كان لها السلطان، والصولة، والنفوذ في تلك الحقبة.

وكذلك علمهم الحكمة وأرشدهم إلى البصر بفهم الأشياء، ومعرفة أسرارها وفقه أحكامها، وبيان ما فيها من المصالح، والحكم، وهداهم إلى طريق


(١) المراغي.