بوعده، وثقةً به، وقوةً في دينهم، وثبوتًا على نصر نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ولم يلتفتوا إلى تخويفهم، بل حدث في قلوبهم عزمٌ وتصميمٌ على محاربة هؤلاء الكافرين، وطاعة للرسول في كل ما يأمر به، وينهى عنه، وإن أضناهم ذلك، وثقل عليهم لما بهم من جراحات عظيمة، وقد كانوا في حاجة إلى قسط من الراحة، وشيء من التداوي، لكن وثوقهم بنصر الله وتغلبهم على عدوهم، أنساهم كل هذه المصاعب، فلبوا الدعوة سراعًا.
والخلاصة: أن هذا القول الذي سمعوه زاد شعورهم بعزة الله، وعظمته وسلطانه، ويقينهم بوعد الله، ووعيده، وتبع ذلك زيادةٌ في العمل، ودأبٌ على إنفاذ ما طلب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولولا ذلك ما أقدموا على الاستجابة إلى ما كاد يكون وراء حدود الإمكان.
{وقالوا}؛ أي: قال المؤمنون معبرين عن صادق إيمانهم، {حَسْبُنَا اللَّهُ}؛ أي: كافينا ومحسبنا الله، فهو الذي يكفينا ما يهمنا، من أمر هؤلاء الذين جمعوا لنا المجموع العديدة، فهو سبحانه وتعالى لا يعجزه أن ينصرنا على قلتنا، وكثرتهم، أو يلقي في قلوبهم الرعب، فيكفينا شر بغيهم، وكيدهم، وقد كان الأمر كما ظنوا، فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان، وجيشه، على كثرة عهددهم، وتوافر عُددهم، فولوا مدبرين، وكان النصر في ذلك لله ولرسوله وللمؤمنين.
{وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}؛ أي: ونعم وحسن الموكول إليه أمورنا، كلها دينًا، ودنيا، ونصرًا على أعدائنا، والمخصوص بالمدح الله سبحانه وتعالى.
وأخرج البخاري عن ابن عباس {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمَّد - صلى الله عليه وسلم - حين قال لهم الناس: إن الناس قد جمعوا لكم جموعًا.