للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

{شَيْئًا} من الضرر، وإنما يضرون أنفسهم بأن لا حظ لهم في الآخرة، ولهم عذاب عظيم.

قرأ نافع (١) {يُحزِنك} بضم الياء وكسر الزاي، من أحزن الرباعي هنا، وفي جميع القرآن حيثما وقع إلا قوله تعالى: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} في سورة الأنبياء فقرأه بفتح الياء، وضم الزاي من حزن الثلاثي كباقي القراء في جميع ما في القرآن، فإنهم قرؤوه بفتح الياء وضم الزاي حيثما وقع، وهما لغتان: يقال حزنني الأمر، وأحزنني، والأول أفصح وقرأ ابن محيصن بضم الياء، والزاي من أحزن على النفي.

وقرأ (٢) طلحة بن مصرف النحويُّ {يسرعون} من أسرع الرباعي في جميع القرآن، قال ابن عطية، وقراءة الجمهور أبلغ؛ لأن من يسارع غيره أشد اجتهادًا من الذي يسرع وحده.

وفي ضمن قوله: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} دلالةٌ على أن وبال ذلك عائد عليهم ولا يضرون إلا أنفسم، وفي توجيه الخطاب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: {وَلَا يَحْزُنْكَ} تسليةٌ له، وإيذان بأنه الرئيس المعتنى بشؤونه، ثم علل هذا النهي، وأكمل التسلية بتحقيق نفي ضررهم أبدًا بقوله: {إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ}؛ أي: إنهم لن يضروا أولياء الله، وهم النبي وصحبه شيئًا من الضرر، فعاقبة هذه المسارعة في الكفر، وبالٌ عليهم لا عليك، ولا على المؤمنين، فإنهم لا يحاربونك، فيضروك، وإنما هم يحاربون الله تعالى، ولا شك أنهم من أن يفعلوا ذلك عاجزون، فهم إذًا لا يضرون إلا أنفسهم، وفي جعل مضرتهم؛ أي: المؤمنين مضرة لله تعالى تشريف لهم، ومزيد مبالغة في تسليته - صلى الله عليه وسلم -.

ثم بين أنهم لا يضرون إلّا أنفسهم فقال: {يُرِيدُ اللَّهُ} سبحانه وتعالى؛ أي: إنما سارعوا في الكفر؛ لأن الله سبحانه وتعالى أرإد {أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا}؛ أي: نصيبًا {فِي الْآخِرَةِ}؛ أي: في الجنة؛ فلذلك خذلهم حتى سارعوا في


(١) مراح وفتح القدير.
(٢) البحر المحيط.