محمَّد - صلى الله عليه وسلم - فكان ذلك الكتمان بخلًا، فحينئذٍ يكون معنى سيطوقون أنَّ الله تعالى يجعل في رقابهم طوقًا من نار، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سئل عن علم يعلمه، فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار". والمعنى: أنهم عوقبوا في أفواههم، وألسنتهم بهذا اللجام؛ لأنهم لم ينطقوا بأفواههم، وألسنتهم بما يدل على الحق.
{وَلِلَّهِ} سبحانه وتعالى وحده، لا لأحد سواه {مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، أي: جميع ما يتوارث به أهل السموات والأرض، بعضهم من بعض من مال أو غيره، كجاه، وعلم، وقوة، فينقل من واحد إلى آخر لا يستقر في يد واحد، ولا يسلم التصرف فيه لأحد إلى أن يفنى الوارثون، والموروثون، ويبقى مالك الملك رب العالمين، فما لهؤلاء القوم البخلاء يبخلون بملكه عليه، ولا ينفقونه في سبيله وابتغاء مرضاته، وهو لله تعالى لا لهم، وإنما كان عندهم عاريةً مستردةً، والميراث في الأصل هو: ما يخرج من مالك إلى آخر، ولم يكن مملوكًا لذلك الآخر قبل انتقاله إليه بالميراث، ومعلوم أن الله تعالى هو المالك بالحقيقة لجميع مخلوقاته.
وفي الآية إيماء إلى أنَّ كل ما يعطاه الإنسان من مال، وجاه، وقوة، وعلم، فإنه عرض زائل، وصاحبه فان غير باق، فلا ينبغي أن يستبقي الفاني ما هو مثله في الفناء، بل عليه أن يضع الأشياء في مواضعها، التي تصلح لها، وبذا يكون خليفة الله في أرضه محسنًا للتصرف فيما استخلف فيه {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {بِمَا تَعْمَلُونَ} من البخل والسخاء {خَبِيرٌ} فيجازيكم عليه، أو فيجازيهم عليه، أي: والله سبحانه وتعالى لا تخفى عليه خافية من أعمالكم، ولا ما تنطوي عليه جوانحكم، فيجازي كل عامل بما عمل بحسب تأثير عمله في تزكية نفسه، أو تدسيسها ونيته في فعله كما في الحديث "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو {يعملون} بالياء على الغيبة جريًا على {يَبْخَلُونَ} و {سَيُطَوَّقُونَ}، وقرأ الباقون بالتاء على الالتفات، فيكون ذلك خطابًا للباخلين.