للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البلاغة

{إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} أكدت اليهود الجملة التي نسبوها إلى الله بـ {إن} واسمية الجملة، مبالغةً في نسبة الفقر إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، ولم يؤكدوا في الجملة التي نسبوها إلى أنفسهم، كأنهم خرجوا تلك الجملة مخرج ما لا يحتاج إلى تأكيد، كان الغنى وصف لازم لهم، لا يمكن فيه نزاع فيحتاج إلى تأكيد، وهذا دليل على تعنتهم وتعمقهم في الكفر والطغيان.

{سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} فيه مجاز عقلي من الإسناد إلى الآمر، لأنه تعالى لا يكتب ذلك بنفسه، بل يأمر الملائكة بالكتابة.

{بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} فيه مجاز مرسل من إطلاق اسم الجزء على الكل لعلاقة الجزئية.

{تَأكُلُهُ النَّارُ} فيه استعارة تصريحية تبعية؛ لأنه شبه الإحراق بالأكل، لأن الأكل إنما يكون في الإنسان والحيوان. {ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} فيه استعارة تبعية؛ لأن حقيقة الذوق ما يكون بحاسة اللسان.

{مَتَاعُ الْغُرُورِ} قال الزمخشري: شبه الدنيا بالمتاع الذي يدلس به على المستام، ويغر به حتى يشتريه، والشيطان هو المدلس الغرور فهو من باب الاستعارة.

{فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} فيه استعارة تصريحية تبعية؛ لأنه شبَّه عدمَ التمسك، والعمل به، بإلقاء شيء مرمي خَلْفَ ظهر الإنسان. وفي "الفتوحات" نَبَذَ الشيء وراء الظهر مثل في الاستهانة به، والإعراض عنه بالكلية، وشبه أيضًا أخذ عوض حقير من حطام الدنيا على كتم آيات الله باشتراء ثمنٍ قليلٍ على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية.

وقال أبو حيان (١): لقد تضمنت هذه الآياتُ من ضروب الفصاحة والبلاغة


(١) البحر المحيط.