للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من التوراة، والإنجيل، والزبور حالةَ كونهم {خَاشِعِينَ}؛ أي: متواضعين {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات {لَا يَشْتَرُونَ} أي: لا يأخذون (بـ) كتمان {آيات الله} من أمر محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ونعته من سَفَلتهم {ثَمَنًا قَلِيلًا}؛ أي: عوضًا يسيرًا من الدنيا؛ كما يفعله غيرهم من أهل الكتاب، يعني لا يغيرون كتبهم، ولا يحرفونها، ولا يكتمون صفة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - لأجل الرئاسة، والمآكل، والرشا كما يفعلُه رؤساء اليهود.

والحاصلُ (١): أنه سبحانه وتعالى لما بين حال المؤمنين، وما أعد لهم من الثواب، وحالَ الكافرين، وما هيأ لهم من العقاب .. ذكر هنا حالَ فريق من أهل الكتاب يهتدون بهذا القرآن، وكانوا من قبله مهتدين بما عندهم من هديِ الأنبياءِ، وقد وصفهم الله تعالى بصفات كلها تستحق المزيَةَ والشرفَ:

الأولى: الإيمان بالله إيمانًا لا تشوبه نزعات الشرك، ولا يفارقه الإذعانُ الباعثُ على العمل، لا كمن قال الله فيهم: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}.

الثانية: الإيمان بما أنزل إلى المؤمنين، وهو ما أوحاه الله تعالى إلى نبيه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.

الثالثة: الإيمان بما أنزل إليهم، وهو ما أوحاه الله تعالى إلى أنبيائهم، والمراد به: الإيمان به إجمالًا وما أرشد إليه القرآن تفصيلًا فلا يضيرُ في ذلك ضياع بعضه، ونسيان بعضه الآخر.

الرابعة: الخشوع، وهو الثمرة للإيمان الصحيح؛ فإن الخشوع أثر خشية الله في القلب، ومنه تفيض على الجوارح والمشاعر، فيخشعُ البصر بالانكسار، ويخشع الصوت بالخفوت والتهدج (٢).


(١) المراغي.
(٢) تهدج الصوت: تقطُعُه في ارتعاش.