وتعالى بتكرير ذكر الرحمة على كثرتها، وأنّه هو المتفضّل بها على خلقه. قال القرطبي: وصف سبحانه وتعالى نفسه بعد {رَبِّ الْعالَمِينَ} بأنه {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}؛ لأنّه لمّا كان في اتصافه بربّ العالمين ترهيب، قرنه بالرحمن الرحيم لما تضمّن من الترغيب؛ ليجمع في صفاته بين الرهبة منه، والرغبة إليه، فيكون أعون على طاعته وأمنع، كما قال تعالى: {نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ}، وقال:{غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ}.
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طمع في جنّته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من جنته أحد». انتهى.
وفي «روح البيان»: في التكرار وجوه:
أحدها: ما سبق من أنّ رحمتي البسملة ذاتيّتان، ورحمتي (الفاتحة) صفاتيتان.
والثاني: ليعلم أنّ التسمية ليست من (الفاتحة).
والثالث: أنّه ندب العباد إلى كثرة الذكر، فإنّ من علامة حبّ الله، حبّ ذكر الله. وفي الحديث:«من أحبّ شيئا أكثر ذكره».
والرابع: أنّه ذكر ربّ العالمين، فبيّن أنّ ربّ العالمين: هو الرحمن الذي يرزقهم في الدنيا، الرحيم: الذي يغفر لهم في العقبى، ولذلك ذكر بعده {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. يعني: أنّ الربوبية إمّا بالرحمانية: وهي رزق الدنيا، وإما بالرحيمية: وهي المغفرة في العقبى.
والخامس: أنّه ذكر الحمد، وبالحمد تنال الرحمة، فإنّ أول من حمد الله تعالى من البشر: آدم عليه السلام حين عطس، فقال: الحمد لله، وأجيب في الحال: يرحمك ربّك، ولذلك خلقه، فعلّم خلقه الحمد، وبين أنّهم ينالون رحمته بالحمد.
والسادس: أنّ التكرار للتعليل كما مرّ؛ لأنّ ترتيب الحمد على هذه الأوصاف أمارة علّيّة مأخذها، فالرحمانية، والرحيمية من جملتها؛ لدلالتهما على