للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شديد، لا يعرف قدر حرارتها إلا الله تعالى يحترقون فيها.

وإنما خص الأكل بالذكر، وإن كان المراد سائر أنواع الإتلافات، وجميع التصرفات الرديئة المتلفة للمال؛ لأن الضررَ يحصل بكل ذلك لليتيم، فعبر عن جميع ذلك بالأكل؛ لأنه معظم المقصود، وإنما ذكر البطون للتأكيد؛ فهو كقولك رأيت بعيني، وسمعت بأذني.

وروى السدي (١): يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة، ولهبُ النار يخرج منْ فيه، ومن مسامعه، وأنفه، وعينيه يعرفه كل من رآه بآكل مال اليتيم.

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما نزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} الآية: انطلق من كان عنده يتيم فعزلَ طعامَه من طعامه، وشرابَه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكلَه، أو يفسدَ فاشتدَ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} فخلطوا طعامهم بطعامهم، وشرابهم بشرابهم.

وقرأ الجمهور {وَسَيَصْلَوْنَ} مبنيًّا للفاعل من الثلاثي، من صلي النار يصلاها من باب رضي، والصلي هو التسخن بقرب النار، أو مباشرتها، وقرأ (٢) ابن عامر، وأبو بكر، وعاصم بضم الياء وفتح اللام مبنيًّا للمفعول من الثلاثي. وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو حيوة بضم الياء وفتح الصاد، واللام مشددةً، مبنيًّا للمفعول من التصلية بكثرة الفعل مرة بعد أخرى.

وعبر بالصلي بالنار عن العذاب الدائم بها؛ إذ النار لا تذهب ذواتَهم بالكلية، بل كما قال: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}، وهذا وعيد عظيم على هذه المعصية، والسعير: الجمر المشتعل.


(١) ابن كثير.
(٢) البحر المحيط والشوكاني.