من صفات هذا الجسد، فلا بد لها من منشأ وجوديّ عبرَ عنه الأقدمون بالنفس، أو الروح.
وما مثلها إلا مثل الكهرباء، فالماديون الذين يقولون: لا روحَ إلا هذه الحياة يكون مثل الجسد عندهم مثل المستودع الكهربائي، فهو بوضعه الخاص، وبما يودع فيه من المواد تتولد فيه الكهرباء، فإذا زال شيءُ مما أودع فيه أو أزيل تركيبه الخاص فقد الكهرباء، وهكذا حال الجسم تتولد فيه الحياة بتركيب مزاجه بكيفية خاصة، وبزوالها تزول الحياة.
والذين يقولون: إن للأرواح استقلالًا عن الجسد يكون مثلُ الجسد مثل الآلة التي تدار بكهرباء تأتي إليها من المولد الكهربائي، فإذا كانت الآلة على وضع خاص في أجزائها، وأداوتها كانت مستعدة لقبول الكهرباء التي توجه إليها، حتى تؤدي وظيفتَها، وإن فقدت منها بعض الأجزاء الرئيسية، أو اختل وضعها الخاص تصبح غير قابلة للكهرباء، ومن ثم لا تؤدي وظيفتَها الخاصة بها. ذكره المراغي.
{وَبَثَّ} بمعنى نشَرَ وفرق، ومنه {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} فهو من المضاعف المتعدي فقياسه ضم عين مضارعه، {وَالْأَرْحَامَ} جمع رحم، والرحم: القرابة، وإنما استعير اسم الرحم للقرابة؛ لأن الأقارب يتراحمون، ويعطف بعضهم على بعض، والرحم في الأصل: مكان يكون فيه الجنين في بطن أمه، ثم أطلق على القرابة. {رَقِيبًا} الرقيب: فعيل بمعنى فاعل؛ أي: بمعنى المراقب، وهو المشرف من مكان عال، والمرقب مفعل بمعنى المكان الذي يشرف منه الإنسان على ما دونه، والمراد بالرقيب هنا الحافظ المطلع على الأعمال؛ لأن ذلك من لوازمه.
{وَآتُوا الْيَتَامَى} جمع يتيم، لغة من مات أبوه مطلقًا، لكن العرف خصصه بمن لم يبلغ مبلغ الرجال، وفي "المصباح"(١) يتم ييتم من باب تعب، وضرب يتمًا بضم الياء وفتحها، لكن اليتم في الناس من قبل الأب: فيقال: صغير يتيم،