للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

العدوَّ، ويأخذون الغنائم، وليس للضعيفَيْنِ المرأة والطفل من ذلك شيء.

والثاني: التبني فقد كان الرجلُ يتبنَّى ولدَ غيره، فيكون له أحكام الولد في الميراث وغيره.

والثالث: الحِلْفُ والعهدُ، فقد كان الرجل يقول لآخرَ: دمي دمك، وهدمي هدمك؛ أي: إذا أهدر دمي أهْدِر دمك، وترثني وأرثك، وتطلَبُ بي وأطلَبُ بك، فإذا فعلًا ذَلك، ومات أحدهما قبل الآخر كان للحيّ ما اشترط من مال الميت.

فلما جاء الإِسلام أقرهم على الأول، والثالث دون الثاني، فقال: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} والمراد به: التوارث بالنسب، وقال: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} والمراد به التوارثُ بالعهد، وقال: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} والمراد به: التوارث بالتبني، وزاد شيئين آخرين:

الأول: الهجرةُ، فكان المهاجر يرثُ من المهاجر، وإن كان أجنبيًّا عنه، إذا كان بينهما مخالطة، وود، ولا يرثه غير المهاجر، وإن كان من أقاربه.

والثاني: المؤاخاةُ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤاخي بين كل اثنين من الرجال، وكان ذلك سببًا للتوارث، ثم نسخ التوارثُ بهذين السببين بقوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}. ثم استقر الأمر بعد نزول أحكام الفرائض على أن أسباب الإرث ثلاثة: النسب، والنكاح، والولاء.

قوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} مناسبتها لما قبلها (١): لما بين الله سبحانه وتعالى حدوده التي حدها لعباده، قَسَمَ الناس إلى عامل بها، مطيع، وإلى غير عامل بها، عاص، وبدأ بالمطيع؛ لأن الغالبَ على مَنْ كان مؤمنًا بالله تعالى الطاعة، إذ السورة مفتتحة بخطاب الناس عامةً، ثم أردف بخطاب من يتصف بالإيمان إلى آخر المواريث، وبدأ بالمطيع؛ لأن قسم الخير ينبغي أن يبتدأ


(١) البحر المحيط.