والحكمة في أن حظ الوالدين من الإرث أقل من حظ الأولاد مع عظم حقهما على الولد: أنهما يكونان في الغالب أقل حاجة إلى المال من الأولاد، إما لكبرهما، وإما لتموُلهما، وإما لوجود من تَجِبَ عليه نفقتهما من أولادهما الأحياء، وأما الأولاد فإما أن يكونوا صغارًا لا يقدرون على الكسب، وإما أن يكونوا على كبرهم محتاجينَ إلى نفقات كثيرة في الحياة، كالزواج، وتربية الأطفال، ونحو ذلك {فَإِنْ كَانَ لَهُ}؛ أي: للميت مع أرث أبويه له {إِخْوَةٌ} اثنان فصاعدًا ذكور أو إناث أشقاء كانوا أو لأب أو لأم وارثين كانوا أو محجوبين بالأب {فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} مما ترك والباقي للأب، ولا شيءُ للإخوة، وأما السدس الذي حجبوها عنه .. فهو للأب عند وجوده، ولهم عند عدمه.
والمعنى: أنه إن كان أب وأم وإخوة .. كان نصيبُ الأم السدسَ وحظها الإخوة من الثلث إلى السدس، وصار الأب يأخذ خمسةَ الأسداس كرجل مات عن أبوين وأخوين، فإن للأم السدس والباقي، وهو خمسةُ أسداس للأب، سدس بالفريضة، والباقي بالتعصيب، فكل جمع منهم يحَجب الأم من الثلث إلى السدس، ولا شيء لهم لكونهم محجوبين بالأب. قال صاحبُ "التلمسانية":
وإنما حجب الإخوة الأمَّ من غير أن يرثوا مع الأب شيئًا؛ معونة للأب؛ لأنه يقوم بشأنهم، وينفق عليهم دون الأم، ولكن هذا يدلُّ على خستهم.
وعلم مما ذكر في مسألة الغراوين: أن (١) حقوقَ الزوجية في الإرث مقدمة على حقوق الوالدين؛ إذ أنهما يتقاسمان ما بقي بعد أخذ الزوج حصتَه، وسر هذا أن صلة الزوجية أشد وأقوى من صلة البنوة؛ ذاك أنهما يعيشان مجتمعينِ وجودُ كل منهما متمم لوجود الآخر، حتى كأنه نصف شخصه، وهما حينئذ منفصلان عن الوالدين أشد الانفصال؛ فبهذا كانت حقوق المعيشة بينهما آكد، ومن ثم جعل الشارع حق المرأة على الرجل في النفقة هو الحق الأولَ؛ فإذا لم يجد