من أحراركم، ويرتكبان جريمة الزنا، واللواط {فَآذُوهُمَا} بالسب باللسان، والضرب بالنعال بعد ثبوت ذلك بشهادة أربعة رجال منكم، وقيل: بالتهديد والتعيير، كأن يقال: بئس ما فعلتما، وقد تعرضتما لعقاب الله وسخطه، وأخرجتُما أنفسَكما عن اسم العدالة.
وهذا (١) العقاب والإيذاء كان أول الإِسلام من قبيل التعزير، وأمره مفوض إلى الأمة في كيفيته، ومقداره، فلما نزلت آية النور التي تقدم ذكرها، وجاء الحديث الشريف السابق، بينا مقدارَ هذا الإيذاءِ، وحدداه، وبهما استبان أن عقاب المرأة الثيب، والرجل المتزوج، الرجم بالحجارة حتى يموتا، وعقابَ المرأة البكر، والرجل الذي لم يتزوج جلد مائة، ونفيُهُ سنةً.
وقرأ الجمهور {واللذان} بتخفيف النون، وقرأ ابن كثير بالتشديد، وقراءة عبد الله {والذين يفعلونه منكم} وهي قراءة مخالفة لسواد مصحف الإِمام، ومتدافعة مع ما بعدها؛ إذ هذا جمع وضميرُ جمع، وما بعدهما ضميرُ تثنية، وقرىء {واللذأن} بالهمزة وتشديد النون، وتوجيهُ هذه القراءة: أنه لما شدَّدَ النون التقى ساكنان، ففرَّ القارئ من التقائهما إلى إبدال الألف همزةً تشبيهًا لها بألف فاعل المدغم عينه في لامه، كما قرئ:{ولا الضألين}{ولا جأن}.
ثم بين أنَّ هذا الإيذاءَ، والعقاب: إنما يكون إذا لم يتوبَا، فإن تابا وأصلحا. رفع عنهما ذلك فقال {فَإِنْ تَابَا}؛ أي: فإن تاب الزانيان، ورجعا عن فعل الفاحشةِ بعد زواجر الأذيَّةِ ونَدِمَا على ما فعلا {وَأَصْلَحَا} عملهما فيما بينهما، وبين الله، وغيّرا أحوالَهما كما هو شأن المؤمن، يطهر نفسه بالإقبال على الطاعة، ويزكيها من أدران المعاصي التي فَرطت منه، ويُقوي داعيةَ الخير حتى تغلب داعية الشر {فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا}؛ أي: فاتركوا إيذاءَهما، وكفوا الأذى عنهما بالقول والفعل، ثم علل الأمرَ بالإعراض عنهما بقوله:{إِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ تَوَّابًا}؛ أي: كثير القبول لتوبة من تاب {رَحِيمًا}؛ أي: كثيرَ الرحمة