ومن المعلوم أنَّ المحومات بالمصاهرة أربعُ: زوجةُ الأب، وزوجة الابن، وأم الزوجة، وبنتُ الزوجة، وكلُّها يحصل فيها التحريمُ بمجرد العقد، وإن لم يحصل دخول إلا الربيبةَ، فلا تحرم إلا بشرط الدخول بأمها، وهذا يُستفاد من الآية، فإنها لم تقيد بالدخول إلا في الربيبة على ما سيأتي.
واختلفوا في {مَا} في قوله: {مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} والظاهر أنها موصولة كما فسَّرْنَا أوَّلًا، والمعنى، ولا تنكحوا المرأةَ التي نَكَحَهَا آباؤكم من النساء، فإنه موجب للعقاب، إلا ما قد مضى قبل نزول آية التحريم، فإنه معفو عنه، وقيل:{ما} مصدرية. والمعنى حينئذٍ: ولا تنكحوا نكاح آبائكم؛ أي: نكاحًا كنكاح آبائكم في البطلان، فإن أنكحتَهم كَانَتْ بِغَيْرِ وليّ وشهود وكانت مؤقَّتة، وعلى سبيل القهر، وهذا الوجه منقول، عن محمَّد بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية.
وقيل: لا تزوجُوا امرأةً وطِئها أباؤكم بالزنا إلا ما قد سلف من الأب في الجاهلية من الزنا بامرأة، فإنه يجوز للابن تزوجُها كما نُقِل هذا المعنى عن ابن زيد، وكما قال أبو حنيفة: يحرم على الرجل أن يتزوَّجَ بمزنِيَّةِ أبيه، لهذه الآية. وقال الشافعي: لا يحرم؛ لأنه لا اعتبار بوطء الزنا {إِنَّهُ}؛ أي: إن نكاح زوجات الآباء وحلائِلهم {كَانَ فَاحِشَةً}؛ أي: قبيحًا من أقبح الفواحش لأنَّ زوجةَ الأب بمنزلة الأم، فكانت مباشرتُها كمباشرة الأم، فهي من أقبح المعاصي، وأفحش الفواحش تمجه الأذواقُ السليمةُ، وتقشعرّ منه العقول الصحيحة، {و} كان {مقتًا}؛ أي: ممقوتًا مبغوضًا عند الله، وعند ذوي المروءات من الجاهلية وغيرهم، وأنه لم يَزَلْ في حكم الله تعالى، وعلمه موصوفًا بذلك ما رَخَّص فيه لأُمةٍ من الأمم من لدن آدم، وكانت العربُ تقول لولد الرجل من امرأة أبيه. مقتيّ نُسبة إلى المقت، وهو أشدُّ الغضب، وكان منهم (١) الأشعثُ