المبتذلات، اللواتي هن سوق الزنا، ومتخذوا الأخدان هم الزناة المتسترون، الذين يصحبون واحدة واحدة، وكذلك متخذات الأخدان من الزواني المتسترات، اللواتي يصحبن واحدًا واحدًا، ويزنين خفية، وهذان نوعان كانا في الجاهلية، قاله ابن عباس والشعبي والضحاك وغيرهم. وقد كان الزنا في الجاهلية قسمين: سريًّا وعلنيًّا، فالسري: يكون خاصًّا، فيكون للمرأة خدن يزني بها سرًّا، ولا تبذل نفسها لكل أحد، والعلني: يكون عامًّا، وهو المراد بالسفاح، قاله ابن عباس، وكان البغايا من الإماء ينصبن الرايات الحمر لتعرف منازلهن، ولا تزال هذه العادة متبعةً إلى الآن في بلاد السودان والحبشة والصومال وغيرها، فتوجد بيوت خاصة لشراب المسكر، وفيها البغاء العلني.
وروي عن ابن عباس (١): أن أهل الجاهلية كانوا يحرمون ما ظهر من الزنا، ويقولون: إنه لؤم، ويستحلون ما خفي، ويقولون إنه لا بأس، وقد نزل في تحريم النوعين قوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}. وهذان النوعان فاشيان في بلاد الإفرنج، والبلاد التي تقلدهم في شرورهم، كمصر والصومال وجيبوتي وبعض بلاد الهند، بل عم الآن كل من النوعين مشارق الأرض ومغاربها، تقليدًا للإفرنج، فيا لها من مصيبة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وقصارى القول: أن الله فرض في نكاح الإماء مثل ما فرض في نكاح الحرائر، من الإحصان والعفة لكل من الزوجين، لكن جعل الإحصان وعدم السفاح في نكاح الحرائر من قبل الرجال، فقال:{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} لأن الحرائر ولا سيما الأبكار أبعد من الرجال من الفاحشة، وأقل انقيادًا لطاعة الشهوة، على أن الرجال هم الطالبون للنساء والقوامون عليهن.
وجعل قيد الإحصان في جانب الإماء، فاشترط على من يريد أن يتزوج أمة أن يتحرى فيها أن تكون محصنة، مصونة في السر والجهر، فقال:{مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} وذلك أن الزنا كان غالبًا في الجاهلية على الإماء،