قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً ...} الآيات، مناسبتها لما قبلها: لما بين الله سبحانه وتعالى صفات المتكبرين وسوء أحوالهم، وتوعدهم على ذلك بأشد أنواع الوعيد .. زاد الأمر توكيدًا وتشديدًا .. فذكر أنه لا يظلم أحدًا من العاملين بوصاياه لا قليلًا وكثيرًا، بل يوفيه حقه بالقسطاس المستقيم، وفي هذا أعظم الترغيب لفاعلي البر والإحسان، وحفز لهممهم على العمل، وفي معنى الآية قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧)}.
وفي "الفتوحات" قوله (١): {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة؛ لأنه تعالى لما أمر بعبادة الله وبالإحسان للوالدين ومن ذكر معهم، ثم أعقب ذلك بذم البخل والأوصاف المذكورة معه، ثم وبخ من لم يؤمن ولم ينفق في طاعة الله، وكان هذا كله توطئة لذكر الجزاء على الحسنات والسيئات .. أخبر تعالى بصفة عدله، وأنه تعالى لا يظلم أدنى شيء، ثم أخبر بصفة الإحسان فقال:{وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}.
قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ...} الآية، مناسبتها لما قبلها: لما وصف الله سبحانه وتعالى الوقوف بين يديه يوم العرض، والأهوال التي تؤدي إلى تمني الكافر العدم، فيقول:{يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا}، والتي تجعله لا يستطيع أن يكتم الله حديثًا، وذكر أنه لا ينجو في ذلك اليوم إلا من كان طاهر القلب والجوارح بالإيمان بالله والطاعة لرسوله .. وصف في هذه الآية الوقوف بين يديه في مقام الأنس وحضرة القدس المنجي من هول الوقوف في ذلك اليوم، وطلب فيه استكمال القوى العقلية وتوجيهها إلى جانب العلي الأعلى بأن لا تكون مشغولة بذكرى غيره، طاهرة من الأنجاس والأخباث؛ لتكون على أتم العدة للوقوف في ذلك الموقف الرهيب، مستشعرة تلك العظمة والجلال والكبرياء.