للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

النبي - صلى الله عليه وسلم - أسمر ربعة، فوضعوا مكانه آدم طوال، وتحريفهم الرجم فوضعوا بدله الجلد. وقرىء: {يحرفون الكِلْم} بكسر الكاف وسكون اللام جمع كلمة تخفيف الكَلِمْ. وقرأ النخعي، وأبو رجاء: {يحرفون الكلام} وذكر الضمير في مواضعه مع عوده إلى الكلم، حملًا على معنى الكلم؛ لأنها جنس، قاله: العكبري.

فالتحريف يطلق على معنيين (١):

أحدهما: تأويل القول بحمله على غير معناه الذي وضع له، كما يؤولون البشارات التي وردت في النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويؤولون ما ورد في المسيح، ويحملونه على شخص آخر، ولا يزالون ينتظرونه إلى اليوم.

وثانيهما: أخذ كلمة أو طائفة من الكلم من موضع من الكتاب ووضعها في موضع آخر، وقد حصل هذا في كتب اليهود، خلطوا ما يؤثر عن موسى بما كتب بعده بزمن طويل، وكذلك ما وقع في كلام غيره من أنبيائهم، واعترف بهذا بعض العلماء من أهل الكتاب، وقد كانوا يقصدون بهذا التحريف الإصلاح في زعمهم، وسبب هذا النوع من التحريف أنه وجدت عندهم قراطيس متفرقة من التوراة، بعد فقد النسخة التي كتبها موسى عليه السلام وأرادوا أن يؤلفوا بينها، فجاء فيها ذلك الخلط بالزيادة والتكرار، كما أثبت ذلك بعض الباحثين من المسلمين.

{وَيَقُولُونَ}؛ أي: ويقول هؤلاء اليهود للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {سَمِعْنَا} قولك {وَعَصَيْنَا}؛ أي: خالفنا غيرك، وذلك أنهم كانوا إذا أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر .. قالوا في الظاهر: سمعنا قولك، وعصينا غيرك، وأما في الباطن: سمعنا قولك وخالفنا أمرك، وقيل إنهم كانوا يظهرون هذا القول عنادًا واستخفافًا، وقد روي عن مجاهد أنهم قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: سمعنا قولك ولكن لا نطيعك، وكذلك كانوا يقولون له: {وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ}؛ أي: ويقولون في أثناء مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة كلامًا ذا وجهين، محتملًا للخير والمدح وللشر والذم، فأما معناه في المدح فإنهم يقولون: واسمع منا كلامنا حالة كونك غير مسمع منا مكروهًا لا يوافقك،


(١) المراغي.