للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أفعل الرباعي، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}؛ أي: احترقت وتهرأت وتلاشت، من قولهم: نضج الثمر واللحم - من باب فرح - نضجًا، إذا أدركا وطاب أكلهما، فهو ناضج ونضيج، واستنضج الكراع؛ أي: يد الشاة إذا طبخه، {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} يقال: ذاق الشيء يذوق - من باب قال - إذا أدركه بحاسة الذوق، والمعنى هنا؛ أي: ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع، كما تقول للعزيز: أعزك الله؛ أي: أدام لك العز وزادك فيه، {كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} العزيز فعيل بمعنى فاعل، وهو القادر الغالب على أمره، لا يعجزه عنه شيء، والحكيم هو المدبر للأشياء وفق الحكمة والصواب، {مُطَهَّرَةٌ}: اسم مفعول لمؤنث، من طهر المضعف؛ أي: منقاة من العيوب والأدناس الحسية والمعنوية، {ظِلًّا ظَلِيلًا}: وصف الظل بالظليل للمبالغة والتأكيد في المعنى، كقولهم ليل أليل ويوم أيوم؛ أي: ظلًّا وارفًا لا يصيب صاحبه حرٌّ ولا سموم، ودائم لا تنسخه الشمس، وقد يعبر بالظل عن العز والمنعة والرفاهية، فيقال: السلطان ظل الله في أرضه، ولما كانت بلاد العرب غاية في الحرارة .. كان الظل عندهم أعظم أسباب الراحة، وكان ذلك عندهم رمزًا للنعيم المقيم.

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات أنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع (١):

منها: الاستفهام الذي يراد به التعجب في قوله: {أَلَمْ تَرَ} في الموضعين.

ومنها: التعجب بلفظ الأمر في قوله: {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ}.

ومنها: المجاز المرسل في قوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} إذا فسر بالرسول محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، من باب ذكر الخاص باسم العام إشارة إلى أنه جمعت فيه كمالات الأولين والآخرين، على حد قول القائل: أنت الناس كل الناس أيها الرجل، وقول الآخر:

وَلَيْسَ عَلَى اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ ... أَن يَجْمَعَ الْعَالَمِ فِيْ وَاحَدٍ


(١) البحر المحيط.