فيزداد الشر، وإذا تركه على حاله .. بقي في وجل فيقل الشر {وَعِظْهُمْ}؛ أي: وازجرهم عن النفاق والكيد والحسد والكذب، وخوفهم بعذاب الآخرة، وانصح لهم، وذكرهم بالخير على وجه ترق له قلوبهم، ويبعثهم على التأمل فيما يُلقى إليهم من العظات والزواجر، {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: خاليًا بهم ليس معهم غيرهم؛ لأن النصيحة على الملأ تقريع، وفي الخلوة محض المنفعة.
وعبارة في" الجمل"{وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ}؛ أي: في حق أنفسهم الخبيثة، وقلوبهم المنطوية على الشرور التي يعلمها الله تعالى، أو في أنفسهم حال كونك خاليًا بهم، ليس معهم غيرهم مسارًا بالنصيحة؛ لأنها في السر أنفع {قَوْلًا بَلِيغًا}؛ أي: مؤثرًا في أنفسهم واصلًا إلى كنه المراد، مطابقًا لما سيق له من المقصود، يغتمون به اغتمامًا، ويستشعرون منه الخوف، وهو التخويف بعذاب الدنيا، بأن يقول لهم: إن ما في قلوبكم من النفاق والكيد معلوم عند الله الذي لا يخفى عليه السر والنجوى، وإنه لا فرق بينكم وبين سائر الكفار وإنما رفع الله السيف عنكم؛ لأنكم أظهرتم الإيمان، فإن واظبتم على هذه الأفعال القبيحة .. ظهر لكل الناس بقاءكم على الكفر، وحينئذ يلزمكم السيف، وتسفك دماؤكم، وتسبى نساؤكم وذراريكم، وتسلب أموالكم. وفي الآية شهادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالقدرة على بليغ الكلام، وتفويض أمر الوعظ والقول البليغ إليه؛ لأن لكل مقام مقالًا، والكلام يختلف تأثيره باختلاف أفهام المخاطبين، كما أن فيها شهادة له بالحكمة ووضع الكلام في مواضعه، وهذا نحو ما وصف الله به نبيه داود:{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}.
قال القاضي عياض في كتابه " الشفاء" في وصف بلاغته - صلى الله عليه وسلم -: أما فصاحة اللسان وبلاغة القول: فقد كان - صلى الله عليه وسلم - من ذلك بالمحل الأرفع، والموضع الذي لا يجهل، قد أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل أمة بلسانها، ويحاورها بلغتها، حتى كان كثير من أصحابه يسألونه في غير موضع عن شرح كلامه وتفسير قوله، وليس كلامه مع قريش والأنصار وأهل الحجاز ونجد ككلامه مع ذي المعشار الهمداني، وطهفة النهدي، والأشعث بن قيس، ووائل بن حجر الكندي، وغيرهم من أقيال حضرموت وملوك اليمن انتهى.