للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

به، واجتناب ما نهيا عنه {فَأُولَئِكَ} المطيعون لهما، كائنون في الجنة {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} في الدنيا بالهداية والتوفيق؛ أي: يكون هذا المطيع يوم القيامة مرافقًا لأقرب عباد الله وأرفعهم درجات عنده، وهم الأصناف الأربعة الذين ذكرهم الله تعالى في الآية، وهم صفوة الله من عباده، وقد وجدوا في كل أمة، ومن أطاع الله ورسوله من هذه الأمة .. كان منهم، وحشر يوم القيامة معهم.

وقوله {مِنَ النَّبِيِّينَ} والمرسلين .. إلخ بيان للذين أنعم الله عليهم، وفي الآية سلوك التدلي، فإن منزلة كل واحد من الأصناف الأربعة أعلى من منزلة من بعده، {وَالصِّدِّيقِينَ}؛ أي: السابقين إلى تصديق الرسل، فصاروا في ذلك قدوة لسائر الناس، وهم أفاضل أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، سموا بذلك لمبالغتهم في الصدق والتصديق {وَالشُّهَدَاءِ} أي: القتلى في سبيل الله تعالى، أو الذين (١) يشهدون بصحة دين الله تعالى، تارة بالحجة والبيان، وتارة أخرى بالسيف والسنان، فالشهداء هم القائمون بالقسط، وأما كون الإنسان مقتول الكافر .. فليس فيه زيادة شرف لأن هذا القتل قد يحصل في الفساق ومن لا منزلة له عند الله، {وَالصَّالِحِينَ} غير الأصناف الثلاثة السابقة؛ لأن الأصناف الثلاثة صالحون أيضًا، وهم القائمون بحقوق الله وحقوق عباده، وقيل: الصارفون (٢) أعمارهم في طاعة الله، وأموالهم في مرضاته، وكل من كان اعتقاده صوبًا وعمله غير معصية فهو صالح، ثم إن الصالح قد يكون بحيث يشهد لدين الله بأنه هو الحق، وأن ما سواه هو الباطل، وهذه الشهادة تارة بالحجة والدليل وأخرى بالسيف، وقد يكون الصالح غير موصوف بكونه قائمًا بهذه الشهادة، فثبت أن كل من كان شهيدًا كان صالحًا، ولا عكس فالشهيد أشرف أنواع الصالحين، ثم الشهيد قد يكون صديقًا وقد لا، ومعنى الصديق: هو الذي كان أسبق إيمانًا من غيره، وكان إيمانه قدوة لغيره، فثبت أن كل من كان صديقًا كان شهيدًا، ولا عكس، فثبت أن أفضل الخلق الأنبياء، وبعدهم الصديقون، وبعدهم من ليس له درجة إلا محض درجة الشهادة، وبعدهم من ليس له درجة إلا محض درجة الصلاح.


(١) المراح.
(٢) المراح.