للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فتبَينُوا ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما بين في الآيات السابقة أنه ليس من شأن المؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا على سبيل الخطأ، وأن من قتل مؤمنًا متعمدًا فلا جزاء له إلا جهنم خالدًا فيها أبدًا .. أراد هنا أن ينبه المؤمنين إلى ضرب من ضروب قتل الخطأ كان يحصل في ذلك العهد عند السفر إلى أرض المشركين، حين انتشر الإِسلام ولم يبق مكان في بلاد العرب وقبائلهم يخلو من المسلمين، أو ممن يميل إلى الإِسلام، ويتحينون الفرص للاتصال بأهله، فأعلمهم أن لا يحسبوا كل من يجدونه في دار الكفر كافرًا، وأن يتبينوا من تظهر عليهم علامات الإِسلام كالشهادة والسلام الذي هو تحية المؤمنين، وأن لا يحملوا مثل هذا على الخداع، إذ ربما يكون الإيمان قد طاف على هذه القلوب وألم بها، وإن لم يكن قد تمكن فيها، ومن ثم أمر بالتثبت، ونهى عن إنكار إسلام من يدعي الإِسلام ولو بإلقاء تحيته، فما بالك بمن ينطق بالشهادتين، وأبان أن الذي يدعوه إلى ظن هذا الظن إنما هو ابتغاء عرض الحياة الدنيا، وبهذا أرشد المؤمن إلى أن يتهم نفسه ويفتش عن قلبه، ولا يبني الظن على ميله وهواه، بل عليه أن يقبل الظاهر حتى يستبين له خلافه انتهى.

قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها (٢): أنه تعالى لما رغب المؤمنين في قتال - في سبيل الله - أعداءِ الله الكفار، واستطرد من ذلك إلى قتل المؤمن خطأ وعمدًا بغير تأويل وبتأويل، فنهى أن يُقْدِم على قتله بتأويل أمر يحمله على الإِسلام إذا كان ظاهره يدل على ذلك .. ذكر بيان فضل المجاهد على القاعد، وبيان تفاوتهما، وأن ذلك لا يمنع منه كون الجهاد مظنة أن يصيب المجاهد مؤمنًا خطأ، أو من يلقي السلم فيقتله بتأويل، فيتقاعد عن الجهاد لهذه الشبهة، فأتى عقيب ذلك بفضل الجهاد وفوزه، بما ذكر في الآية من الدرجات والمغفرة والرحمة والأجر العظيم دفعًا لهذه الشبهة.


(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.