قلت: كانت أعظمها؛ لأنّها فصّلت فيها الأحكام، وضربت الأمثال، وأقيمت الحجج، إذ لم تشتمل سورة على ما اشتملت عليه؛ ولذلك سميت فسطاط القرآن.
قال ابن العربي في «أحكام القرآن»: سمعت بعض مشايخي يقول: في سورة البقرة ألف أمر، وألف نهي، وألف خبر، ولعظم فقهها أقام ابن عمر - رضي الله عنهما - ثماني سنين على تعلّمها، كذا في «أسئلة الحكم».
فإن قلت: لم سوّرت السور طوالا، وأوساطا، وقصارا؟.
قلت: سوّرت كذلك تنبيها على أنّ الطول ليس من شرط الإعجاز، فهذه سورة الكوثر ثلاث آيات، وهي معجزة إعجاز سورة البقرة، ثمّ ظهرت لذلك التسوير؛ حكمة في التعليم، وتدريج الأطفال من السور القصار إلى ما فوقها تيسيرا من الله تعالى على عباده، وفي ذلك أيضا: ترغيب وتوسيع في الفضيلة في الصلاة، وغيرها، كسورة الإخلاص من القصار تعدل ثلث القرآن، فمن فهم ذلك فاز بسر التسوير.
فإن قلت: ما الحكمة في تعدّد مواطن نزول القرآن، وتكرّر مشاهده مكيّا، مدنيا، ليليّا، نهاريّا سفريّا، حضريّا، صيفيّا، شتائيا، نوميّا، برزخيّا: يعني: بين الليل والنهار أرضيّا سماويّا. غاريّا. يعني: ما نزل في الغار تحت الأرض برزخيا. يعني: ما نزل بين مكة والمدينة، عرشيّا معراجيّا. يعني: ما نزل ليلة المعراج. آخر (سورة البقرة)؟.
قلت: الحكمة في ذلك تشريف مواطن الكون كلّها بنزول الوحي الإلهيّ فيها، وحضور الحضرة المحمّديّة عندها، كما قيل: سرّ المعراج والإسراء به، وسير المصطفى في مواطن الكون كلّها: كأنّ الكون، والعرش، والجنان، يسأل كلّ موطن بلسان الحال، أن يشرّفه الله تعالى بقدوم قدم حبيبه، وتكتحل أعين الأعيان والكبار بغبار نعال قدم سيّد السادات.